سورة العنكبوت
[٨٢٧] فإن قيل : قال تعالى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ١٢] ثم قال : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣]؟
قلنا : معناه وما الكافرون بحاملين شيئا من خطايا المؤمنين التي ضمنوا حملها ، وليحملن الكافرون أثقال أنفسهم وهي ذنوب ضلالهم ، وأثقالا مع أثقالهم وهى ذنوب إضلالهم غيرهم من الكفار ، لا خطايا المؤمنين التي نفى عنهم حملها ؛ وقد سبق نظير هذا في قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] في سورة الأنعام وفي سورة بني إسرائيل.
[٨٢٨] فإن قيل : ما فائدة العدول عن قوله «تسعمائة وخمسين عاما» إلى قوله : (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤] مع أن عادة أهل الحساب هو اللفظ الأول؟
قلنا : لما كانت القصة مسوقة لتسلية النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بذكر ما ابتلي به نوح عليهالسلام من أمّته وكابده من طول مصابرتهم ، كان ذكر أقصى العدد الذي لا عقد أكثر منه في مراتب العدد أفخم وأعظم إلى الغرض المقصود ، وهو استطالة السامع مدة صبره. وفيه فائدة أخرى وهي نفي وهم إرادة المجاز بإطلاق لفظ التسعمائة والخمسين على أكثرها ، فإن هذا الوهم مع ذكر الألف والاستثناء منتف أو هو أبعد.
[٨٢٩] فإن قيل : كيف جاء المميز أولا بلفظ السنة والثاني بلفظ العام؟
قلنا : لأن تكرار اللفظ الواحد مجتنب في مذهب الفصحاء والبلغاء إلا أن يكون لغرض تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك.
[٨٣٠] فإن قيل : كيف نكر الرزق ثم عرفه في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) [العنكبوت : ١٧]؟
قلنا : لأنه أراد أنهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق فابتغوا عند الله الرزق كله ، فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره.
[٨٣١] فإن قيل : كيف أضمر اسمه تعالى في قوله عزوجل : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ٢٠] ثم أظهره في قوله تعالى : (ثُمَّ اللهُ