[٨٣٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ٤١] وكل أحد يعلم أن أضعف بيوت يتخذها الهوام بيت العنكبوت؟
قلنا : معناه لو كانوا يعلمون أن اتخاذهم الأصنام أولياء من دون الله مثل اتخاذ العنكبوت بيتا لما اتخذوها.
[٨٣٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت : ٤٦] وكل أهل الكتاب ظالمون ؛ لأنهم كافرون ، ولا ظلم أشد من الكفر ، ويؤيده قوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤].
قلنا : المراد بالظلم هنا الامتناع عن قبول عقد الذمة وأداء الجزية أو نقض العهد بعد قبوله.
الثاني : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩] الآية.
[٨٣٨] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [٤٨]؟
قلنا : فائدته تأكيد النفي ، كما يقال في الإثبات للتأكيد. هذا الكتاب مما كتبه فلان بيده وبيمينه ، ورأيت فلانا بعيني ، وسمعت هذا الحديث بأذني ونحو ذلك.
[٨٣٩] فإن قيل : كيف لم يؤكد سبحانه وتعالى في التلاوة ولم يقل وما كنت تتلو من قبله من كتاب بلسانك؟
قلنا : الأصل في الكلام عدم الزيادة ، وكل ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى العلة ؛ إنما يحتاج إلى العلة ما جاء على خلاف الأصل.
[٨٤٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] ومعلوم أن المجاهدة في دين الله تعالى أو في حقّ الله تعالى مع النفس الأمارة بالسوء أو مع الشيطان أو مع أعداء الدين ؛ كل ذلك إنما يكون بعد تقدم الهداية من الله تعالى ، فكيف جعل الهداية من ثمرات المجاهدة؟
قلنا : معناه والذين جاهدوا في طلب التعلم لنهدينهم سبلنا بمعرفة الأحكام وحقائقها. وقيل : معناه لنهدينهم طريق الجنة. وقيل : معناه والذين جاهدوا لتحصيل درجة لنهدينّهم إلى درجة أخرى أعلى منها. وحاصله : لنزيدنهم هداية وتوفيقا للخيرات كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] وقوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦]. وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه : معناه والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا. وعن بعض الحكماء : من عمل بما علم وفق لما لا يعلم. وقيل : إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم هو من تقصيرنا فيما نعلم.