سورة لقمان
[٨٤٩] فإن قيل : كيف يحل الغناء بعد قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [لقمان : ٦] الآية ، وقد قال الواحدي في تفسير وسيطه : أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء. وروى هو أيضا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «والّذي نفسي بيده ما رفع رجل قطّ عقيرته يتغنّى إلّا ارتدّ فيه شيطانان يضربان بأرجلهما على ظهره وصدره حتّى يسكت». وقال سعيد بن جبير ومجاهد وابن مسعود رضي الله عنهم : لهو الحديث هو والله الغناء واشتراء المغني والمغنية بالمال. وروى أيضا حديثا آخر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم مسندا «أنه قال في هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [لقمان : ٦] اللّعب والباطل كثير النفقة سمح فيه ؛ لا تطيب نفسه بدرهم يتصدّق به».
وروى أيضا حديثا آخر مسندا عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من ملأ سمعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الرّوحانيين يوم القيامة. قيل : وما الرّوحانيون؟ قال : قرّاء أهل الجنّة».
قال أهل المعاني : ويدخل في هذا كلّ من اختار اللهو واللعب والمزامير والمعازف على القرآن وإن كان اللفظ ورد بالاشتراء ، لأنّ هذا اللفظ يذكر في الاستبدال والاختيار كثيرا. وقال قتادة رحمهالله : حسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق. هذا كله نقله الواحدي رحمهالله ، وكان من كبار السلف في العلم والعمل.
وقال غيره : قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة : المراد بلهو الحديث الغناء. وعن الحسن رحمهالله تعالى أنه كل ما ألهى عن الله تعالى. وفي معنى يشتري قولان : أحدهما : أنه الشراء بالمال. والثاني ، أنه الاختيار كما مرّ.
وقيل : الغناء منفدة للمال ، مفسدة للقلب ، مسخطة للرب.
قلنا : جوابه أنهم يؤولون هذه الآية ونظائرها ، وهذه الأحاديث ونظائرها ، فيصرفونها عن ظاهرها متابعة للهوى وميلا إلى الشهوات ، ولو نظروا بعقولهم فيما ينشأ عن جمعيات السماع في زماننا هذا من المفاسد لعلموا حرمته بلا خلاف بين المسلمين ، فإن شروط إباحة السماع عند من أباحه لا تجتمع في زماننا هذا على ما هو