الثاني : إتيان المرأة من قبل ظهرها كان محرما عندهم ، وكانوا يعتقدون أنّها إذا أتيت من قبل ظهرها جاء الولد أحول ، فكان المطلق في الجاهلية إذا قصد تغليظ الطلاق قال أنت عليّ كظهر أمي.
[٨٧٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٣٣] جعل أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم بمنزلة أمهات المؤمنين حكما ، أي في الحرمة والاحترام وما جعل النبي صلىاللهعليهوسلم بمنزلة أبيهم حتى قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠]؟
قلنا : أراد الله بقوله تبارك وتعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] أن أمته يدعون أزواجه بأشرف الأسماء ، وأشرف أسماء النساء الأمّ وأشرف أسماء النبيّ صلىاللهعليهوسلم رسول الله لا الأب.
الثاني : أنّه تعالى جعلهن أمهات المؤمنين تحريما لهن ، إجلالا وتعظيما له صلىاللهعليهوسلم كيلا يطمع أحد في نكاحهن بعده. فلو جعل النبي صلىاللهعليهوسلم أبا للمؤمنين لكان أبا للمؤمنات أيضا ، فلم يجعل له نكاح امرأة من المؤمنات ؛ بل يحرمن عليه ، وذلك ينافي إجلاله وتعظيمه. وقد جعله أعظم من الأب في القرب والحرمة بقوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : ٦] فجعل صلىاللهعليهوسلم أقرب إليهم من أنفسهم ، وكثير من الآباء يتبرأ من ابنه ويتبرأ منه ابنه أيضا ، وليس أحد يتبرأ من نفسه.
[٨٧٣] فإن قيل : كيف قدم النبي صلىاللهعليهوسلم على نوح ومن بعده في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الأحزاب : ٧]؟
قلنا : لأن هذا العطف من باب عطف الخاص على العام الذي هو جزء منه لبيان التفضيل والتخصيص بذكر مشاهير الأنبياء وذراريهم ؛ فلما كان النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل هؤلاء المفضلين قدم عليهم. وفي الميثاق المأخوذ قولان :
أحدهما : أنه تعالى أخذ منهم الميثاق يوم أخذ الميثاق بأن يصدق بعضهم بعضا.
والثاني : أخذ منهم الميثاق أن يوحدوا الله تعالى ويدعوا إلى توحيده ويصدق بعضهم بعضا.
[٨٧٤] فإن قيل : فكيف قدم نوح عليهالسلام في نظير هذه الآية وهي قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الشورى : ١٣]؟
قلنا : لأن تلك الآية سيقت لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة ، كأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح عليهالسلام في العهد القديم ، وبعث عليه محمد صلىاللهعليهوسلم في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسطهما من الأنبياء المشاهير ،