الثاني : أن ثم متعلقة بمعنى واحدة وعاطفة عليه لا على خلقكم ، فمعناه خلقكم من نفس واحدة ، وأفردت بالإيجاد ثم شفعت بزوج.
الثالث : أن ثم على ظاهرها ، لأن الله تعالى خلق آدم ثم أخرج أولاده من ظهره كالذر ، وأخذ عليهم الميثاق ثم ردهم إلى ظهره ثم خلق منه حواء ، فالمراد بقوله تعالى خلقكم خلقا يوم أخذ الميثاق دفعة واحدة ؛ لأنّ هذا الخلق الذي نحن فيه بالتوالد والتناسل.
[٩٥١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] مع أن الأنعام مخلوقة في الأرض لا منزلة من السماء؟
قلنا : قيل إن الله تعالى خلق الأزواج الثمانية في الجنة ثم أنزلها على آدم عليهالسلام بعد إنزاله.
الثاني : أن الله تعالى أنزل الماء من السماء ، والأنعام لا توجد إلا بوجود النبات ، والنبات لا يوجد إلا بوجود الماء ، فكأن الأنعام منزلة من السماء ، ونظيره قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] ، وإنما أنزل الماء الذي لا يوجد القطن والكتان والصوف إلا به.
[٩٥٢] فإن قيل : كيف قال تعالى في وصف الذي جاء بالصدق وصدق به (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر : ٣٥] ؛ مع أنه سبحانه وتعالى يكفر عنهم سيئ أعمالهم ويجزيهم بحسنها أيضا؟
قلنا : قد سبق مثل هذا السؤال وجوابه في سورة التّوبة.
[٩٥٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر : ٤٤] ؛ مع أنه جاء في الأخبار أن للأنبياء والعلماء والشهداء والأطفال شفاعة يوم القيامة؟
قلنا : معناه أن أحدا لا يملكها إلا بتمليكه ، كما قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥] وقال تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨].
[٩٥٤] فإن قيل : كيف ذكر الضمير في أوتيته وهو للنعمة في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) وقال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ)؟ [الزمر : ٤٩].
قلنا : إنما ذكره نظرا إلى المعنى ؛ لأن معنى نعمة شيئا من النعمة وقسما منها ، أو لأن النعمة والإنعام بمعنى واحد.
[٩٥٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر : ٥٥] والقرآن كله حسن؟
قلنا : معناه اتبعوا أحسن وحي أو كتاب أنزل إليكم من ربكم وهو القرآن كله.