سورة المؤمن (غافر)
[٩٥٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) [غافر : ٤] ، مع أن الذين آمنوا يجادلون أيضا فيها ، هل هي منسوخة أم محكمة؟ وهل فيها مجاز أم كلها حقيقة؟ وهل هي مخلوقة أم قديمة وغير ذلك؟
قلنا : المراد الجدال فيها بالتكذيب ودفعها بالباطل والطعن بقصد إدحاض الحق وإطفاء نور الله تعالى ، ويدل عليه قوله تعالى عقيبه (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) [غافر : ٥].
[٩٦٠] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى ، في وصف حملة العرش : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) [غافر : ٧] ؛ ولا يخفى على أحد أنّ حملة العرش يؤمنون بالله تعالى؟
قلنا : فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه ، كما وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح والإيمان فى غير موضع من كتابه لذلك ، وكما عقب أعمال الخير بقوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٧].
[٩٦١] فإن قيل : في قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [غافر : ١١] كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة؟
قلنا : هذا كما تقول : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وكما تقول للحفار : ضيق فم الركية ووسع أسفلها ، وليس فيهما نقل من كبر إلى صغر ومن صغر إلى كبر ، ولا من سعة إلى ضيق ولا من ضيق إلى سعة ، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات ، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على ذات المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، وإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه.
[٩٦٢] فإن قيل : قوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦] بيان وتقرير لبروزهم في قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) [غافر : ١٦] والله تعالى لا يخفى عليه شيء برزوا أو لم يبرزوا؟
قلنا : معناه لا يخفى على الله منهم شيء في اعتقادهم أيضا ، فإنهم كانوا في الدنيا يتوهمون إذا تستروا بالحيطان والحجب لا يراهم الله ، ويؤيده قوله تعالى :