سورة الذاريات
[١٠٣٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) [الذاريات : ٥] ، والصادق وصف القائل لا وصف الوعد؟
قلنا : قيل صادق بمعنى مصدوق ك (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] و (ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] وقيل معناه لصدق ، فإن المصدر قد جاء على وزن اسم الفاعل كقولهم : قمت قائما ، وقولهم : لحقت بهم اللائمة ، أي اللّوم.
[١٠٣١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الذاريات : ١٥] والمتقون لا يكونون في الجنة في العيون؟
قلنا : معناه أنهم في الجنات والعيون الكثيرة محدقة بهم من كل ناحية وهم في مجموعها لا في كل عين ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) [القمر : ٥٤] لأنه بمعنى أنهار ، إلا أنه عدل عنها رعاية للفواصل.
[١٠٣٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [الذاريات : ٣٧] أي في قرى قوم لوط ، وقرى قوم لوط ليست موجودة ، فكيف توجد فيها العلامة؟
قلنا : الضمير في قوله فيها عائد إلى تلك الناحية والبقعة لا إلى مدائن قوم لوط.
الثاني : أنه عائد إليها ، ولكن «في» بمعنى من ، كما في قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) [النحل : ٨٩] وقوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) [النساء : ٥] ويؤيد هذا الوجه مجيئه مصرحا به في سورة العنكبوت بلفظ من في قوله تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت : ٣٥] ثم قيل الآية آثار منازلهم الخربة. وقيل هي الحجارة التي أبقاها الله تعالى حتى أدركها أوائل هذه الأمة. وقيل هي الماء الأسود الذي يخرج من الأرض.
[١٠٣٣] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات : ٤٩] أي صنفين ، مع أن العرش والكرسي والقلم واللوح لم يخلق منها إلا واحد؟
قلنا : قيل معناه ومن كل حيوان خلقنا ذكرا أو أنثى. وقيل معناه : ومن كل شيء تشاهدونه خلقنا صنفين كالليل والنهار ، والصيف والشتاء ، والنور والظلمة ، والخير والشر ،