سورة الطور
[١٠٣٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [الطور : ٢٠] ؛ مع أنّ الحور العين في الجنة مملوكات ملك يمين لا ملك نكاح؟
قلنا : معناه قرناهم بهنّ ، من قولهم زوّجت إبلي ، أي قرنت بعضها إلى بعض ؛ وليس من التزويج الذي هو عقد النكاح ، ويؤيده أنّ ذلك لا يعدّى بالباء ؛ بل بنفسه ، كما قال تعالى : (زَوَّجْناكَها) [الأحزاب : ٣٧]. ويقال زوجه امرأة. ولا يقال بامرأة.
[١٠٣٨] فإن قيل : كيف قال الله تعالى في وصف أهل الجنة (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١] أي مرهون في النار بعمله؟
قلنا : قال الزمخشري : كأن نفس كل عبد ترهن عند الله تعالى بالعمل الصالح الذي هو مطالب به ، كما يرهن الرجل عبده بدين عليه ، فإن عمل صالحا فكها وخلصها وإلا أوبقها. وقال غيره : هذه جملة من صفات أهل النار وقعت معترضة في صفات أهل الجنة ، ويؤيده ما روي عن مقاتل أنه قال معناه : كل امرئ كافر بما عمل من الكفر مرتهن في النار ، والمؤمن لا يكون مرتهنا لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ) [المدثر : ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠].
[١٠٣٩] فإن قيل : كيف قال تعالى ، في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩] وكل واحد غيره كذلك لا يكون كاهنا ولا مجنونا ، بنعمة الله تعالى؟
قلنا : معناه فما أنت بحمد الله وإنعامه عليك بالصدق والنبوة بكاهن ولا مجنون كما يقول الكفار. وقيل : الباء هنا بمعنى مع ، كما في قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، وقوله تعالى : (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٥٢]. ويقال : أكلت الخبز بالتمر ، أي معه.
[١٠٤٠] فإن قيل : ما معنى الجمع في قوله تعالى : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨]؟
قلنا : معناه التفخيم والتعظيم ، والمراد بحيث نراك ونحفظك ؛ ونظيره في معنى العين قوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] ؛ ونظيره في الجمع للتفخيم والتعظيم قوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] ، وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) [يس : ٧١].