سورة الرّحمن عزوجل
[١٠٥٢] فإن قيل : أيّ مناسبة بين رفع السماء ووضع الميزان ؛ حتى قرن بينهما؟
قلنا : لما صدّر هذه السورة بتعديد نعمه سبحانه على عبيده ، ذكر من جملتها وضع الميزان الذي به نظام العالم وقوامه ؛ لا سيما أن المراد بالميزان العدل في قول الأكثرين ، والقرآن في قول ، وكل ما تعرف به المقادير في قول ، كالمكيال والميزان والذراع المعروف ونحوها.
[١٠٥٣] فإن قيل : قوله تعالى : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) [الرحمن : ٨] ، أي لا تجاوزوا فيه العدل مغن عما بعده من الجملتين فما فائدتهما؟
قلنا : المراد بالطغيان فيه أخذ الزائد ، وبالإخسار فيه إعطاء الناقص وأمر بالتّوسط الذي هو إقامة الوزن بالقسط ؛ ونهى عن الطرفين المذمومين.
[١٠٥٤] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : ١٤] وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ ؛ لكن له صلصلة ، أي صوت إذا نقر ، وقال تعالى ، في موضع آخر : (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦]. وقال تعالى : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١]. وقال تعالى : (مِنْ تُرابٍ) [الروم : ٢٠]؟
قلنا : الآيات كلها متفقة في المعنى ؛ لأنه تعالى خلقه من تراب ثم جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا.
[١٠٥٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧] فكرر ذكر الرب ولم يكرره في سورة المعارج بل أفرده فقال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] وكذا في سورة المزمل (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [المزمل : ٩] (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩]؟
قلنا : إنما ذكر الرب تأكيدا ، فكان التأكيد بهذا الموضع أليق منه بذينك الموضعين ؛ لأنه موضع الامتنان وتعديد النعم ، ولأن الخطاب فيه مع جنسين وهما الإنس والجن.
[١٠٥٦] فإن قيل : بعض الجمل المذكورة في هذه السورة ليست من النعم كقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] وقوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ