سورة الحشر
[١٠٨٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الحشر : ٩] والإيمان ليس مكانا يتبوأ لأنّ معنى التبوء اتخاذ المكان منزلا؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : وأخلصوا الإيمان ، كقول الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها ماء باردا.
الثاني : أنّه على ظاهره بغير إضمار ولكنه مجاز ، فمعناه أنهم جعلوا الإيمان مستقرا وموطنا لتمكنهم منه واستقامتهم عليه ، كما جعلوا دار الهجرة كذلك وهي المدينة.
[١٠٨١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) [الحشر : ١٢] بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم وحرف الشرط إنما يدخل على ما يحتمل وجوده وعدمه.
قلنا : معناه : ولئن نصروهم على الفرض والتقدير كقوله تعالى للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] وقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] والله تعالى كما يعلم ما يكون قبل كونه ، فهو يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون.
[١٠٨٢] فإن قيل : ما معنى قوله تعالى للمؤمنين : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) [الحشر : ١٣] ، أي في صدور المنافقين أو اليهود على اختلاف القولين ، وظاهره لأنتم أشدّ خوفا من الله ؛ فإن كان «من» متعلقا بأشد لزم ثبوت الخوف لله
__________________
[١٠٨٠] تمام البيت :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتى شتت همّالة عيناها |
وهو في خزانة الأدب : ١ / ٤٩٩.
ولعلّ أوّل من استشهد بهذا البيت الفرّاء ، وعنه نقل غيره. فقد أورده الفرّاء في معاني القرآن مرّة في الجزء الأول ص ١٤ ، وقال هناك : «وأنشدني بعض بني أسد يصف فرسه» ثم ذكر البيت ولم يسم قائله. وذكره مرة أخرى في الجزء الثالث ص ١٢٤ ، وقال : «وأنشدني بعض بني دبير» ثم ذكر البيت.