سورة آل عمران
[٨٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ). ثمّ قال تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [آل عمران : ٣]؟
قلنا : لأنّ القرآن أنزل منجّما ، والتّوراة والإنجيل نزلا جملة واحدة ، كذا أجاب الزّمخشري وغيره. ويرد عليه قوله تعالى ، بعد ذلك : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) [آل عمران : ٤] فإنّ الزمخشري قال : أراد به جنس الكتب السماوية لا الثلاثة المذكورة خصوصا ؛ أو أراد به الزّبور ؛ أو أراد به القرآن ، وكرّر ذكره تعظيما. ويرد عليه ، أيضا قوله تعالى ، بعد ذلك : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧] ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) [البقرة : ٤] ، وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢].
والذي وقع لي فيه ـ والله أعلم ـ أنّ التّضعيف ، في نزّل ، والهمزة في أنزل ، كلاهما للتّعدية ؛ لأنّ نزل فعل لازم ، في نفسه ؛ وإذا كانا للتّعدية ، لا يكونان لمعنى آخر ، وهو التّكثير أو نحوه ؛ لأنّه لا نظير له ؛ وإنّما جمع بينهما ، والمعنى واحد ، وهو التّعدية ؛ جريا على عادة العرب في افتنانهم في الكلام ، وتصرّفهم فيه ، على وجوه شتّى. ويؤيّد هذا قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [الأنعام : ٣٧] وقال ، في موضع آخر : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧].
[٨٩] فإن قيل : كيف قال : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧] ، ومن للتبعيض؟ وقال : في موضع آخر : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] ؛ وهذا يقتضي كون جميع آياته محكمة؟
__________________
[٨٨] الزمخشري : هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزّمخشري. ولد سنة ٤٦٧ ه بزمخشر وتوفي سنة ٥٣٨ ه بجرجانية خوارزم. عرف بتضلّعه في علوم عدة ، منها التفسير واللغة والمعاني والبيان والنحو. وقد أخذ الأدب عن منصور أبي مضر. من مؤلفاته : تفسيره المعروف للقرآن المسمّى الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، المحاجاة بالمسائل النحوية ، الفائق في تفسير غريب الحديث ، أساس البلاغة ، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، المفرد والمركب في العربية ، متشابه أسامي الرّواة ، المفصّل في النحو ، الخ.