سورة الحاقة
[١١٢٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) [الحاقة : ٦] ؛ ولم يقل صرصرة ، كما قال تعالى : (عاتِيَةٍ) [الحاقة : ٦] ، وهو صفة لمؤنث ؛ لأنها الشديدة الصوت ، أو الشديدة البرد؟
قلنا : لأنّ الصرصر وصف مخصوص بالرّيح لا يوصف به غيرها ، فأشبه باب حائض وطامث وحامل ، بخلاف عاتية فإن غير الريح من الأسماء المؤنثة يوصف به.
[١١٣٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) [الحاقة : ٧] ، أي في تلك الليالي والأيام ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم ما رآهم ولا يراهم فيها؟
قلنا : فيها ظرف لقوله تعالى (صَرْعى) ، لا لقوله تعالى (فَتَرَى) ، والرؤية هنا من رؤية العلم والاعتبار ، فصار المعنى فتعلمهم صرعى في تلك الليالي والأيام بإعلامنا حتى كأنك تشاهدهم.
[١١٣١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] إلى قوله سبحانه : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) [الحاقة : ١٨] ، والمراد بها هنا النفخة الأولى ، وهي نفخة الصعق ؛ بدليل ما ذكر بعدها من فساد العالم العلوي والسفلي ، والعرض إنما يكون بعد النفخة الثانية ، وبين النفختين من الزمان ما شاء الله تعالى فكيف قال سبحانه (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) [الحاقة : ١٨].
قلنا : وضع اليوم موضع الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان وما بعدهما.
[١١٣٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠]؟
قلنا : معناه تيقنت. والظنّ يطلق بمعنى اليقين ، كما في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ٤٦].
[١١٣٣] فإن قيل : كيف قال تعالى ، في وصف أهل النار : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة : ٣٥ ، ٣٦]. وقال سبحانه ، في موضع آخر : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية : ٦] ، وفي موضع آخر : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ، ٤٤] ، وفي موضع آخر : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ