سورة النبأ
[١١٦٨] فإن قيل : كيف اتصل وارتبط قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) [النبأ : ٦] بما قبله؟
قلنا : لمّا كان النبأ العظيم الذي يتساءلون عنه هو البعث والنشور وكانوا ينكرونه ، قيل لهم : ألم يخلق من وعد بالبعث والنشور هذه المخلوقات العظيمة العجيبة الدّالة على كمال قدرته على البعث.
[١١٦٩] فإن قيل : لو كان النبأ العظيم الذي يتساءلون عنه ما ذكرتم ، لما قال الله تعالى الذي هم فيه مختلفون ؛ لأن كفار مكّة لم يختلفوا في أمر البعث ؛ بل اتفقوا على إنكاره؟
قلنا : كان فيهم من يقطع القول بإنكاره ، وفيهم من يشك فيه ويتردد فثبت الاختلاف ؛ لأن جهة الاختلاف لا تنحصر في الجزم بإثباته والجزم بنفيه.
الثاني : أن بعضهم صدّق به فآمن ، وبعضهم كذّب به فبقي على كفره ؛ فثبت الاختلاف بالنفي والإثبات.
الثالث : أنّ الضمير في يتساءلون وفي هم عائد إلى الفريقين من المسلمين والمشركين ؛ وكلهم كانوا يتساءلون عنه لعظم شأنه عندهم ، فصدق به المسلمون فأثبتوه ، وكذب به المشركون فنفوه.
[١١٧٠] فإن قيل : قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) [النبأ : ٣٩] هو جزاء الشّرط فأين الشّرط ؛ وشاء وحده لا يصلح شرطا ؛ لأنه لا يفيد بدون ذكر مفعوله ، وإن كان المذكور هو الشّرط فأين الجزاء؟
قلنا : معناه فمن شاء النجاة من اليوم الموصوف اتّخذ إلى ربه مرجعا بطاعته.
الثاني : أنّ معناه فمن شاء أن يتّخذ إلى ربه مآبا ، كقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، أي فمن شاء الإيمان فليؤمن ، ومن شاء الكفر فليكفر.