سورة الفجر
[١١٩٢] فإن قيل : كيف نكر الليالي العشر دون سائر ما أقسم به ، وهلّا عرّفها بلام العهد وهي ليالي معلومة معهودة فإنها ليالي عشر ذي الحجة في قول الجمهور؟
قلنا : لأنها مخصوصة من بين جنس الليالي العشر بفضيلة ليست لغيرها فلم يجمع بينها وبين غيرها بلام الجنس ، وإنما لم تعرف بلام العهد لأن التنكير أدل على التفخيم والتعظيم بدليل قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣] ونظيره قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١] فعرفه ثم قال : (وَوالِدٍ) [البلد : ٣] فنكره ، والمراد به آدم وإبراهيم أو محمد صلّى الله عليهم أجمعين ، ولأن الأحسن أن تكون اللامات كلها متجانسة ، ليكون الكلام أبعد عن الألغاز والتعمية ، وهي في الباقي للجنس.
[١١٩٣] فإن قيل : كيف ذم الله تعالى الإنسان على قوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) [الفجر : ١٥] ، مع أنّه صادق فيما قال : لأنّ الله تعالى أكرمه ، بدليل قوله تعالى : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) [الفجر : ١٥] ، كيف وأن هذا تحدث بالنعمة وهو مأمور به؟
قلنا : المراد به أن يقول ذلك مفتخرا على غيره ، ومتطاولا به عليه ، ومعتقدا استحقاق ذلك على ربّه ، كما في قوله تعالى : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص : ٧٨] ومستدلا به على علو منزلته في الدار الآخرة ؛ وكل ذلك منهي عنه. وأما إذا قاله على وجه الشكر والتحدث بنعمة الله فليس بمذموم ولا منهي عنه.
[١١٩٤] فإن قيل : كيف قال الله تعالى في الجملة الأولى : (فَأَكْرَمَهُ) [الفجر : ١٥] ولم يقل في الجملة الثانية فأهانه؟
قلنا : لأن بسط الرزق إكرام ، لأنه إنعام وإفضال من غير سابقة ؛ وقبضه ليس بإهانة ؛ لأن ترك الإنعام والإفضال لا يكون إهانة ، بل هو واسطة بين الإكرام والإهانة ؛ فإن المولى قد يكرم عبده وقد يهينه ، وقد لا يكرمه ولا يهينه. وتضييق الرزق ليس إلّا عبارة عن ترك إعطاء القدر الزائد ، ألا ترى أنه يحسن أن تقول زيد أكرمني إذا أهدى لك هدية ، ولا يحسن أن تقول أهانني إذا لم يهد لك.
[١١٩٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] والحركة والانتقال على الله محالان ؛ لأنهما من خواص الكائن في جهة؟