سورة الليل
[١١٩٩] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) [الليل : ١٥] مع أنّ الشقي أيضا يصلاها : أي يقاسي حرّها وعذابها؟
قلنا : قال أبو عبيدة : الأشقى هنا بمعنى الشقي ، والمراد به كل كافر ، والعرب تستعمل أفعل في موضع فاعل ولا تريد به التفضيل ، وقد سبق تقرير ذلك والشواهد عليه في سورة الرّوم في قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] وقال الزجاج : هذه نار موصوفة معينة ، فهو درك مخصوص ببعض الأشقياء ، ورد عليه ذلك بقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) [الليل : ١٧] ، والأتقى يجنب عذاب أنواع نار جهنم كلّها ، والمراد بالأتقى هنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بإجماع المفسرين ؛ ولهذا قال الزمخشري : إن الأشقى ليس بمعنى الشّقي ؛ بل هو على ظاهره ؛ والمراد به أبو جهل أو أمية بن خلف ، فالآية واردة للموازنة بين حالتي أعظم المؤمنين وأعظم المشركين ، فبولغ في صفتيهما المتناقضتين ، وجعل هذا مختصا بالصلي كأنّ النار لم تخلق إلا له لوفور نصيبه منها وجاء قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) [الليل : ١٧] على موازنة ذلك ومقابلته ، مع أن كل تقي يجنبها.
قال بعض العلماء : هذه الآية تدل على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الصحابة ، لأنه وصفه بالأتقى ، وقال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] ، وإذا كان أكرم عند الله كان أفضل.