سورة الضحى
[١٢٠٠] فإن قيل : كيف وصف صلىاللهعليهوسلم بالضال والنبيّ صلىاللهعليهوسلم معاذ الله أن يكون ضالّا ، أي كافرا ، لا قبل النبوّة ولا بعدها ؛ والضّال أكثر ما ورد في القرآن بمعنى الكافر؟
قلنا : المراد به هنا أنه تعالى وجده ضالا عن معالم النبوة وأحكام الشريعة فهداه إليها. هذا قول الجمهور.
الثاني : أنّه ضل وهو صغير في شعاب مكة فردّه الله تعالى إلى جدّه عبد المطلب.
الثالث : أن معناه ووجدك ناسيا فهداك إلى الذكر ؛ لأن الضلال جاء بمعنى النسيان ، ومنه قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢].
[١٢٠١] فإن قيل : لو كان الضّلال بمعنى النسيان لما جمع بينهما في قوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢]؟
قلنا : لا ندعي أنه حيث ذكر كان بمعنى النسيان ، فهو في تلك الآية. بمعنى الخطأ ، وقيل بمعنى الغفلة.
الرابع : أن معناه : ووجدك جاهلا فعلمك.
[١٢٠٢] فإن قيل : كيف منّ سبحانه عليه بإخراجه من الفقر إلى الغنى بقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [الضحى : ٨] أي فقيرا ، والعائل الفقير سواء كان له عيال أو لم يكن؟
قلنا : قال ابن السائب ، واختاره الفرّاء : أنه لم يكن غناه بكثرة المال ، ولكن الله أرضاه بما آتاه ، ولم يكن ذلك الرضا قبل النبوة ، وذلك حقيقة الغنى ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «الغنى غنى القلب». وقال غيره : المراد به أنه أغناه بمال خديجة عن مال أبي طالب ، والمراد به الإغناء بتسهيل ما لا بد منه وتيسيره ، لا الإغناء بفضول المال الذي لا يجامع صفة الفقر.
__________________
[١٢٠٢] الحديث مروي عن أبي هريرة بلفظ : «ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكنّ الغنى غنى النفس» أخرجه : أحمد ٢ / ٣١٥ ، ومجمع الزوائد ١٠ / ٢٤٠.