[١٠١] فإن قيل : زكريّا سأل الولد بقوله : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨] والله تعالى بشّره بيحيى ، عليهالسلام ، على لسان الملائكة ؛ فكيف أنكر ، بعد هذا كلّه ، قدرة الله تعالى على إعطائه الولد ، حتى قال : (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) [آل عمران : ٤٠].
قلنا : إنّما قاله على سبيل الاستفهام والتّعجّب من عظيم قدرة الله تعالى ، لا على طريق الإنكار والاستبعاد ؛ أو اشتبه عليه كيف يعطى الولد ، وهو شيخ ، وامرأته عاقر ؛ أو تزول عنهما هاتان الصفتان لكشف الحال. تقديره : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) [آل عمران : ٤٠]. ولقائل أن يقول : آخر الآية لا يناسب هذا الجواب.
[١٠٢] فإن قيل : ما فائدة تكرار ذكر الاصطفاء ، في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ) [آل عمران : ٤٢].
قلنا : الاصطفاء الأوّل : العبادة التي هي خدمة البيت المقدّس ، وتخصيصها بقبولها في النذر ؛ مع كونها أنثى. والاصطفاء الثّاني : لولادة عيسى ، عليهالسلام ؛ أو أعيد ذكر الاصطفاء ، ليفيد بقوله : (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٤٢] فيندفع وهم أنّها مصطفاة على الرّجال.
[١٠٣] فإن قيل : كيف نفى حضور النبيّ ، عليه الصلاة والسلام ، في زمن مريم بقوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) [آل عمران : ٤٤] ، الآية ؛ وذلك معلوم عندهم ، لا شكّ فيه ، وترك نفي استماعه ذلك الخبر من حفّاظه وهو الّذي كانوا يتوهّمونه؟
قلنا : كان معلوما ، أيضا ، عندهم ، علما يقينا أنّه ليس من أهل القراءة والرّواية.
وكانوا منكرين للوحي. فلم يبق إلّا المشاهدة والحضور ، وهي في غاية الاستحالة ؛ فنفيت ، على طريق التهكّم بالمنكرين للوحي ؛ مع علمهم أنّه لا قراءة له ولا رواية.
ونظيره قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) [القصص : ٤٤ ـ ٤٦].
[١٠٤] فإن قيل : كيف قال : اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، والخطاب مع مريم ، وهي تعلم أنّ الولد الّذي بشّرت به يكون ابنها؟
قلنا : لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء ، لا إلى الأمهات ؛ فأعلمت ، بنسبته إليها ، أنه يولد من غير أب ؛ فلا ينسب إلّا إلى أمه.
[١٠٥] فإن قيل : أيّ معجزة لعيسى ، عليه الصلاة والسلام ، في تكليم الناس كهلا؟ وأيّ خصوصيّة له في هذا ؛ حتّى قال : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) [آل عمران : ٤٦]؟
قلنا : معناه ويكلّم الناس ، في هاتين الحالتين ، بكلام الأنبياء ؛ من غير تفاوت بين حال الطفوليّة وحال الكهوليّة الّتي يستحكم فيها العقل ، وينبّأ فيها الأنبياء. فكأنه