سورة البيّنة
[١٢١٢] فإن قيل : المراد بالرسول هنا محمد صلىاللهعليهوسلم بلا خلاف ، فكيف قال تعالى : (يَتْلُوا صُحُفاً) [البينة : ٢] وظاهره يدل على قراءة المكتوب من الكتاب وهو منتف في حقه صلىاللهعليهوسلم ، لأنه كان أميّا؟
قلنا : المراد يتلو ما في الصحف عن ظهر قلبه ؛ لأنه هو المنقول عنه بالتواتر.
[١٢١٣] فإن قيل : ما الفرق بين الصحف والكتب ؛ حتى قال تعالى : (صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ) [البينة : ٢ ، ٣]؟
قلنا : الصحف القراطيس ، وقوله تعالى (مُطَهَّرَةً) ، أي من الشرك الباطل ، وقوله تعالى : (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) [البينة : ٣] ، أي مكتوبة مستقيمة ناطقة بالعدل والحق ، يعني الآيات والأحكام.
[١٢١٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤] ، أي النبي صلىاللهعليهوسلم أو القرآن ، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ، وهم ما زالوا متفرقين مختلفين يكفر كل فريق منهم الآخر قبل مجيء البينة وبعدها؟
قلنا : المراد به تفرقهم عن تصديق النبيّ صلىاللهعليهوسلم والإيمان به قبل أن يبعث ، فإنهم كانوا مجتمعين على ذلك متفقين عليه بأخبار التوراة والإنجيل ، فلما بعث إليهم تفرقوا ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر. وقال بعض العلماء : المراد بالبينة ما في التوراة والإنجيل من الإيمان بنبوته صلىاللهعليهوسلم ، ويؤيّد هذا القول أن أهل الكتاب أفردوا بالذكر في هذا التفرق مع وجود التفرق من المشركين أيضا بعد ما جمعوا مع المشكرين في أول السورة ، فلا بد أن يكون مجيء البينة أمرا يخصهم ، ومجيء النبي صلىاللهعليهوسلم والقرآن العزيز لا يخصهم.