سورة الكافرون
[١٢٢٧] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] ؛ ولم يقل «من» ، مع أنّه القياس؟
قلنا : فيه وجهان :
أحدهما : أنه إنما قال «ما» رعاية للمقابلة في قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [الكافرون : ٢].
الثاني : أن «ما» مصدرية ، أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقال الزّمخشري : إنّما قال «ما» لأنّ المراد الصفة ؛ كأنه قال : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق. وقال غيره : «ما» في الكل بمعنى الذي ، والعائد محذوف.
[١٢٢٨] فإن قيل : ما فائدة التكرار؟
قلنا : فيه وجهان :
أحدهما : أنّه للتأكيد وقطع أطماعهم فيما طلبوه منه.
الثاني : أنّ الجملتين الأوليين لنفي العبادة في الحال ، والجملتين الأخريين لنفي العبادة في الاستقبال فلا تكرار فيه ؛ وهذا قول ثعلب والزجاج. والخطاب لجماعة علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون. وقال الزمخشري : ما يرد الوجه الثاني ، وذلك أنه قال لا أعبد أريد به العبادة في المستقبل ؛ لأنّ «لا» لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الحال ، فالجملتان الأوليان لنفي العبادة في المستقبل ، والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي ، فقوله : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) [الكافرون : ٤] أي ما عهدتم من عبادة الأصنام في الجاهلية. فكيف يرجى مني بعد الإسلام ، وقوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] ، أي ما عبدتم في وقت ما ما أنا على عبادته ، ويرد على قوله والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي أن اسم الفاعل المنون العامل عمل الفعل لا يكون إلا بمعنى الحال أو الاستقبال ، وعابد هنا عامل في «ما» وكذلك عابدون ، وجوابه أنه على الحكاية كما قال تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ، وأورد على هذا التقدير فقال :
[١٢٢٩] فإن قيل : هلّا قال تعالى : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، بلفظ الماضي ، كما قال : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) [الكافرون : ٤].