صِرٌّ) [آل عمران : ١١٧] ، الآية ؛ والمقصود تشبيه نفقة الكفّار وأموالهم ، في تحصيل المفاخر ، وطلب الصيت والسمعة ؛ أو ما ينفقونه في الطّاعات ، مع وجود الكفر ؛ أو ما ينفقونه في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بالزرع الذي أصابته ريح شديدة البرد ، فأهلكته ، فضاع ، ولم ينتفع به ؛ والتّشبيه في الحقيقة بالزّرع ، وفي لفظ الآية بالرّيح؟
قلنا : فيه إضمار ، تقديره : إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صرّ ؛ أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح ؛ ونظيره قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ) [آل عمران : ٢٦١] الآية ؛ وقوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [آل عمران : ١٧١] ، الآية. وقال ثعلب : فيه تقديم وتأخير تقديره : كمثل حرث قوم ، ظلموا أنفسهم ، أصابته ريح فيها صرّ ، فأهلكته.
[١١٥] فإن قيل : كيف قال : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) [آل عمران : ١٢٠] فوصف الحسنة بالمسّ والسيئة بالإصابة؟
قلنا : المسّ مستعار ، بمعنى الإصابة ، توسعة في العبارة ؛ وإلّا فكان المعنى واحدا. ألا ترى إلى قوله تعالى في الفريقين : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩]. وقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج : ١٩ ـ ٢١].
[١١٦] فإن قيل : كيف قال : (وَسارِعُوا) [آل عمران : ١٣٣] ؛ والنبيّ ، عليه أفضل التّحية ، يقول : «العجلة من الشّيطان والتأنّي من الرّحمن»؟
قلنا : قد استثنى النبيّ صلىاللهعليهوسلم خمسة مواضع ، فقال : «إلّا في التّوبة من الذّنب وقضاء الدّين الحال ، وتزويج البكر البالغ ، ودفن الميّت وإكرام الضّيف إذا نزل».
والمسارعة المأمور بها في الآية هي المسارعة إلى التّوبة وما في معناها من أسباب المغفرة.
[١١٧] فإن قيل : كيف قال : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران : ١٣٥] عطف عليه بكلمة أو ، وفعل الفاحشة داخل في ظلم النفس ؛ بل هو أبلغ أنواع ظلم النفس؟
قلنا : أريد بالفاحشة نوع من أنواع ظلم النفس ، وهو الزنا ؛ أو كلّ كبيرة. فخصّ بهذا الاسم تنبيها على زيادة قبحه ، وأريد بظلم النفس ما وراء ذلك من الذنوب.
__________________
[١١٦] الحديث أخرجه الترمذي وأبو يعلى وغيرهما. يراجع : عارضة الأحوذي ٨ / ١٧٢ ومجمع الزوائد ٨ / ٢٢ ، وكشف الخفاء ١ / ١٩٥.