عند الزمخشري ليست بمعنى «خلق» فسّرها هنا بمعنى «أحدث» و «أنشأ».
وكذا الراغب جعلها بمعنى «أوجد».
ثم إنّ أبا حيّان (١) اعترض عليه هنا لمّا استطرد ، وذكر أنها تكون بمعنى صيّر ومثل بقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩]. فقال وما ذكر من أن جعل بمعنى صيّر في قوله (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ) [الزخرف : ١٩] لا يصحّ ؛ لأنهم لم يصيّروهم إناثا ، وإنما ذكر بعض النحويين أنها هنا بمعنى «سمّى».
قال شهاب الدين (٢) : ليس المراد بالتصيير التصيير بالفعل ، بل المراد التصيير بالقول ، وقد نصّ الزمخشري على ذلك ، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ، وقد ظهر (٣) الفرق بين (٤) تخصيص السّموات والأرض بالخلق ، والظّلمات والنور بالجعل بما (٥) ذكره (٦) الزمخشري.
فصل
قال أبو العباس المقري : ورد لفظ الجعل في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : بمعنى «خلق» قال تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، وقوله (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) [فصلت : ١٠] ، وقوله : (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) [الفرقان : ٦٢].
والثاني : بمعنى «بعث» قال تعالى : (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) [الفرقان : ٣٥].
والثالث : بمعنى «قدره» قال تعالى : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) [الزمر : ٨] وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] وقوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) [فصلت : ٩] أي : تقولون.
الرابع : بمعنى «بيّن» قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] أي : بيّنّاه بحلاله وحرامه.
الخامس : بمعنى «صيّر» قال تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) [الإسراء : ٤٦] أي : صيرنا ، وقوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) [التوبة : ١٩] ، وقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) [النمل : ٦١] ، وقوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ)(٧) [يس : ٨].
فإن قيل (٨) : لم وحّد النّور ، وجمع الظّلمات؟ فالجواب من وجوه :
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣.
(٣) في أ : ذكر.
(٤) في أ : في.
(٥) في ب : مما.
(٦) في أ : قاله.
(٧) سقط في أ.
(٨) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٥.