قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠)
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) الآية الكريمة [الآية : ٣٠] تمسّك بعض المشبّهة بهذه الآية ، وقال : ظاهرها يدلّ على أن أهل القيامة يقفون عند الله ـ تبارك وتعالى ـ بالقرب منه ، وذلك يدلّ على أنّه تبارك وتعالى [بحيث يحضر في مكان تارة ، ويغيب عنه أخرى ، وهذا خطاب ؛ لأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى](١) يوقف عليه ، كما يقف أحدنا على الأرض ، وذلك على كونه مستعليا على ذات الله تعالى ، وأنه باطل بالاتّفاق ، فوجب تأويله ، وهو من وجهين (٢) :
الأول : أنه من باب الحذف ، تقديره : على سؤال ربّهم أو ملك ربهم ، أو جزاء ربهم ، أو على ما أخبرهم به من أمر الآخرة.
الثاني : أنه من باب المجاز ؛ لأنه كناية عن الحبس للتوبيخ ، كما يوقف العبد بين يدي سيّده ليعاتبه ، ذكر ذلك الزمخشري (٣) ، أو يكون المراد بالوقوف المعرفة ، كما يقول الرجل لغيره : «وقفت على كلامك» أي : عرفته ، ورجّح الزمخشري المجاز على الحذف ؛ لأنه بدأ بالمجاز ، ثم قال : وقيل وقفوا على جزاء ربهم (٤) وللناس خلاف في ترجيح أحدهما على الآخر وفيه ثلاثة مذاهب :
أشهرها : ترجيح المجاز على الإضمار.
والثاني : عكسه.
والثالث : هاهنا سواء.
قوله : «قال : أليس» في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها استفهامية أي : جواب سؤال مقدّر ، قال الزمخشري (٥) : «قال» مردود على قول قائل.
قال : ما ذا (٦) قال لهم ربّهم إذ أوقفوا عليه؟ فقيل : قال لهم : أليس هذا بالحقّ.
والثاني : أن تكون الجملة حاليّة ، وصاحب الحال «ربّهم» كأنه قيل : وقفوا عليه قائلا : أليس هذا بالحقّ؟ والمشار إليه قيل : هو ما كانوا يكذّبون به من البعث.
وقيل : هو العذاب يدلّ عليه (فَذُوقُوا الْعَذابَ).
وقوله : (بِما كُنْتُمْ) يجوز أن تكون «ما» موصولة اسميّة ، والتقدير : تكفرونه ، والأصل: تكفرون به ، فاتّصل الضمير بالفعل بعد حذف الواسطة ، ولا جائز أن يحذف ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٦٠.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٦.
(٤) في أ : من حرارتهم.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ١٦.
(٦) في ب : إذا.