وهو مجرور بحاله ، وإن كان مجرورا بحرف جرّ بمثله الموصول لاختلاف المتعلّق ، وقد تقدّم إيضاحه (١).
والأولى أن تجعل «ما» مصدريّة ، ويكون متعلّق الكفر محذوفا ، والتقدير : بما كنتم تكفرون بالبعث ، أو بالعذاب ، أي : بملاقاته ، أي : بكفرهم بذلك.
فإن قيل : قد قال تبارك وتعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ) [آل عمران : ٧٧] ، وهاهنا قد قال [لهم](٢) : «أليس هذا بالحقّ»؟ فما وجه الجمع؟.
فالجواب : لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع.
قال ابن عباس : هذا في موقف ، وقولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) في موقف آخر ، والقيامة مواقف ، ففي موقف يقرّون ، وفي موقف ينكرون.
قوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) خصّ لفظ الذّوق ، لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذّائق.
قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٣١)
قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) [الآية : ٣١] وصف أحوال منكري البعث بأمرين :
أحدهما : حصول الخسران ، أي : خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ بالبعث بعد الموت.
والثاني : حمل الأوزار العظيمة ، فأمّا خسرانهم فهو حسرتهم على تفريطهم وفوات الثواب وحصول العقاب.
قوله : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) في نصب «بغتة» أربعة أوجه :
أحدها : أنها مصدر في موضع الحال من فاعل «جاءتهم» ، أي : مباغتة ، وإمّا من مفعوله أي : مبغوتين.
الثاني : أنها مصدر على غير الصّدر (٣) ؛ لأنّ معنى «جاءتهم» بغتتهم بغتة ، فهو كقولهم : «أتيته ركضا».
الثالث : أنّها منصوبة بفعل محذوف من لفظها ، أي : تبغتهم بغتة.
الرابع : بفعل [من غير لفظها ، أي : أتتهم بغتة ، والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من](٤) غير اعتداد به ، ولا جعل بال منه حتّى لو استشعر الإنسان به ، ثم جاء
__________________
(١) في ب : أيضا.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : المصدر.
(٤) سقط في أ.