أحدها : إن قلنا : إنّ الظّلمات هي الكفر ، والنّور هو الإيمان فظاهر ؛ لأنّ الحقّ واحد ، والباطل كثير.
وإن قلنا : إنّ الظّلمة الكيفية المحسوسة ، فالنّور [عبارة](١) عن تلك الكيفيّة الكاملة القويّة وكذلك الظّلمة الكاملة القوية (٢) ، ثمّ إنّها تقبل التّناقص قليلا [قليلا](٣) وتلك المراتب كثيرة ، فلهذا عبّر عن الظّلمات (٤) بصيغة الجمع.
وثانيها (٥) : أنّ النّور من جنس واحد ، وهو النار (٦) ، والظّلمات كثيرة ، فإنّ ما من جرم إلّا وله ظلّ وظلمة.
وثالثها : أنّ الصّلة التي قبلها تقدّم فيها جمع ثمّ مفرد ، فعطفت هذه عليها (٧) كذلك ، وقد تقدّم في «البقرة» (٨) الحكمة في جمع السماوات ، وإفراد الأرض.
فإن قيل (٩) : لم قدّمت الظّلمات [على النور](١٠) في الذكر؟.
فالجواب : لأنه (١١) موافق في الموجود ؛ إذا الظّلمة قبل النّور عند الجمهور.
فصل في المراد بالظلمات والنور
قال الواقدي : كلّ ما في القرآن من الظّلمات والنّور هو الكفر والإيمان ، إلّا في هذه الآية ، فإنّه يريد به اللّيل والنّهار.
وقال الحسن : المراد الكفر والإيمان (١٢).
ونقل الواحدي عن ابن عبّاس معناه.
وقيل : المراد بالظّلمات الجهل ، وبالنّور العلم.
وقال قتادة : يعني الجنّة والنّار (١٣).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : البقية القوية.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : المراتب.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣.
(٦) في أ : النور.
(٧) في أ : شكرها.
(٨) آية رقم (١٦).
(٩) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٥ ، والدر المصون ٣ / ٣ ، ٤.
(١٠) سقط في أ.
(١١) في أ : أنه.
(١٢) قال ابن عطية : وهذا خروج عن الظاهر.
قال القرطبي : اللفظ يعمه ؛ وفي التنزيل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢]. والأرض هنا : اسم للجنس ، فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها ؛ وكذلك «والنور» ، ومثله : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : ٦٧] وقال الشاعر :
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا
وقد تقدّم. وجعل هنا بمعنى : خلق لا يجوز غيره ؛ قال ابن عطية. ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٤٩.
(١٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٤٣) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.