والباقون (١) بياء الغيبة ردّا على ما تقدّم من الأسماء الغائبة (٢) ، وحذف مفعول «تعقلون» للعلم به ، أي : أفلا تعقلون أنّ الأمر كما ذكر فتزهدوا (٣) في الدنيا ، أو أنها خير من الدنيا.
قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(٣٣)
قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) «قد» هنا حرف تحقيق.
وقال الزمخشري (٤) والتبريزي : «قد نعلم» بمعنى ربّما التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته ، نحو قوله: [الطويل]
٢١٤٨ .......... |
|
[ولكنّه](٥) قد يهلك المال نائله(٦) |
قال أبو حيّان (٧) : وهذا القول غير مشهور للنحاة ، وإن قال به بعضهم مستدلا بقول [القائل](٨) : [البسيط]
٢١٤٩ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٩) |
وقال الآخر في ذلك : [الطويل]
٢١٥٠ ـ أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله |
|
ولكنّه قد يهلك المال نائله (١٠) |
والذي يظهر أن التكثير لا يفهم من «قد» ، وإنما فهم من سياق الكلام ؛ إذ التمدّح بقتل قرن واحد غير طائل ، وعلى تقدير ذلك فهو متعذّر في الآية ؛ لأن علمه ـ تبارك وتعالى ـ لا يقبل التكثير.
قال شهاب الدين : قد يجاب عنه بأن التكثير في متعلّقات العلم لا في العلم ، [ثم قال](١١): وقوله بمعنى «ربّما» التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته المشهور أنّ «ربّ» للتقليل (١٢) لا للتّكثير ، وزيادة «ما» عليها لا يخرجها عن ذلك ، بل هي مهيّئة لدخولها على الفعل ، و «ما» (١٣) المهيّئة لا تزيل الكلمة عن معناها الأصلي ، كما لا تزيل (١٤)
__________________
(١) ينظر : حجة القراءات ص (٢٤٦) ، السبعة ص (٢٥٦) ، النشر ٢ / ٢٥٧ ، التبيان ١ / ٤٩٠ ، المشكل ١ / ٢٥١ ، المصاحف لابن أبي داود ص (٤٥) ، البحر المحيط ٤ / ١١٤ ، الدر المصون ٣ / ٤٦.
(٢) في ب : الغالبة.
(٣) في ب : فيزهدوا.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧.
(٥) سقط في ب.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١١٥.
(٨) سقط في ب.
(٩) تقدم.
(١٠) تقدم.
(١١) سقط في ب.
(١٢) في ب : للتعليل.
(١٣) في ب : وأما.
(١٤) في ب : يزيل.