على الحال ، إلّا أن هذا القول يبعده قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، إلا أن يكون من ترشيح المجاز ، وقد تقدّم له نظائر.
وقرىء (١) «يرجعون» من «رجع» اللّازم.
اعلم أن الجسد الخالي [عن](٢) الرّوح يظهر منه النّتن والصّديد ، وأصلح أحواله أن يدفن تحت التّراب ، والرّوح الخالية عن العقل يكون صاحبها مجنونا يستوجب القيد والحبس ، والعقل بالنسبة إلى الرّوح كالرّوح بالنسبة إلى الجسد ، والعقل بدون معرفة الله وطاعته كالضّائع الباطل ، فنسبة التوحيد والمعرفة إلى العقل كنسبة العقل إلى الرّوح ، ونسبة الروح إلى الجسد ؛ فمعرفة الله ومحبّته هي روح الرّوح ، فالنّفس الخالية عن هذه المعرفة تكون كصفة الأموات ، فلهذا السّبب وصف الكفّار بأنهم موتى.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٧)
وهذا من شبهات منكري نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم لأنهم قالوا : لو كان رسولا من عند الله فهلّا أنزل عليه آية قاهرة.
روي أنّ بعض الملحدة طعن فقال : لو كان محمّد قد أوتي بآية معجزة لما صحّ أن يقول
أولئك الكفّار : لو لا نزّل عليه آية ، ولما قال : «قل إنّ الله قادر على أن ينزل آية».
والجواب أن القرآن معجزة قاهرة وبيّنة باهرة ؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ تحدّاهم به فعجزوا عن معارضته ، فدّل على كونه معجزا.
فإن قيل : فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).
فالجواب من وجوه :
الأول : لعلّ القوم طعنوا في كون القرآن معجزة على سبيل اللّجاج والعناد ، وقالوا : إنه من جنس الكتب ، والكتاب لا يكون من جنس المعجزات كالتّوراة والإنجيل والزّبور ، فلأجل هذه الشّبهة طلبوا المعجزة.
الثاني : أنهم طلبوا معجزات [قاهرة] من جنس معجزات سائر الأنبياء مثل «فلق البحر» و «إظلال الجبل» و «إحياء الموتى».
الثالث : أنهم طلبوا مزيد الآيات على سبيل التّعنّت واللّجاج مثل إنزال الملائكة ، وإسقاط السماء كسفا.
الرابع : أن يكون المراد ما حكاه الله عن بعضهم في قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢].
__________________
(١) ينظر : روح المعاني ٧ / ١٤٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٢٣.
(٢) في ب : من.