ثم إنّه ـ تعالى ـ أجابهم بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) ، أي : أنّه قادر على إيجاد ما طلبتموه ، وتحصيل ما اقترحتموه ، ولكن أكثرهم لا يعلمون.
قوله : (مِنْ رَبِّهِ) فيها وجهان :
أحدهما : أنها متعلّقة ب «نزّل».
والثاني : أنها متعلّقة بمحذوف ؛ لأنها صفة ل «آية» ، أي : آية [كائنة](١) من ربّه.
وتقدّم الكلام على «لو لا» وأنّها تحضيضيّة.
فصل في المراد بالآية
معنى قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : ما عليهم في إنزالها ، واختلفوا في تفسيرها على وجوه :
أحدها : أن يكون المراد أنه ـ تعالى ـ لما أنزل آية باهرة ومعجزة قاهرة ، وهي القرآن كان طلب الزيادة جار مجرى التحكّم والتّعنّت الباطل ، وهو أنه سبحانه له الحكم والأمر ، فإن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ؛ لأن فاعليّته لا تكون إلا بحسب محض المشيئة على قول أهل السّنّة (٢) ، أو على وفق المصلحة على قول المعتزلة (٣) ، وعلى التقديرين فإنها لا تكون على وفق اقتراحات الناس ومطالباتهم ، فإن شاء أجابهم إليها ، وإن شاء لم يجبهم.
الثاني : أنّه لمّا ظهرت المعجزة القاهرة ، والدلالة الكافية لم يبق لهم عذر ولا علّة ، فبعد ذلك لو أجابهم الله ـ تعالى ـ إلى اقتراحهم فلعلّهم يقترحون اقتراحا ثانيا وثالثا ورابعا إلى ما لا نهاية له ، وذلك يفضي إلى ألّا يستقرّ الدليل ولا تتم الحجة ، فوجب سدّ هذا الباب في أوّل الأمر والاكتفاء بما سبق من المعجزة القاهرة.
الثالث : أنّه ـ تعالى ـ لو أعطاهم ما طلبوا من المعجزات القاهرة فلو لم يؤمنوا عند ظهورها لاستحقّوا عذاب الاستئصال ، فاقتضت رحمته صونهم عن هذا البلاء ، فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه ـ تعالى ـ لهم ، وإن كانوا لا يعلمون كيفيّة هذه الرحمة.
الرابع : أنّه ـ تعالى ـ علم منهم أن طلبهم هذه المعجزات لأجل العناد لا لطلب فائدة ، وعلم أنه ـ تعالى ـ لو أعطاهم مطلوبهم لم يؤمنوا ، فلهذا السبب ما أعطاهم ؛ لأنه لا فائدة في ذلك.
قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(٣٨)
قوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ) : «من» زائدة لوجود الشرطين ، وهي مبتدأ ، و (إِلَّا أُمَمٌ) خبرها مع ما عطف عليها.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٧٣.
(٣) ينظر : المصدر السابق.