وقال مجاهد : أصناف مصنّفة تعرف بأسمائها ، يريد أن كلّ جنس من الحيوان أمّة : فالطير أمّة ، والدّوابّ أمّة ، والسّباع (١) أمة ، تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم ، يقال : الإنس والناس ، قال عليه الصلاة والسلام : «لو لا أنّ الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كلّ أسود بهيم» (٢).
وقيل : أمثالكم يفقه بعضهم عن بعض.
فصل في وجه النظم
وجه النظم أنه ـ تعالى ـ بيّن في الآية الأولى أنّه لو كان إنزال سائر المعجزات مصلحة لهم لفعلها إلّا أنه لمّا لم يكن إظهارها مصلحة للمكلّفين لم يظهرها ، وهذا الجواب إنما يتمّ إذا ثبت أنه تعالى يراعي مصالح المكلّفين ، ويتفضّل عليهم بذلك ، فبيّن ذلك وقرّره بأن قال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ، وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في وصول فضل الله ـ تعالى ـ وعنايته ، ورحمته ، وإحسانه إليهم ، وذلك كالأمر المشاهد المحسوس ، فإذا كانت آثار عنايته واصلة إلى جميع الحيوانات ، فلو كان إظهار هذه المعجزات مصلحة للمكلفين لفعلها ولم يبخل بها ؛ لأنه لم يبخل على شيء من الحيوانات بمصالحها ومنافعها ؛ يدلّ ذلك على أنّه ـ تعالى ـ لم يظهر تلك المعجزات ؛ لأن إظهارها يخلّ بمصالح المكلّفين (٣).
وقال القاضي : إنّه ـ تعالى ـ لمّا قدّم ذكر الكفّار وبيّن أنهم يرجعون إلى الله ، ويحشرون ـ بيّن أيضا بعده ـ بقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ، وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ـ في أنهم يحشرون ، والمقصود بيان أن الحشر والبعث كما هو حاصل في حقكم ، كذلك هو حاصل في حق البهائم (٤).
فصل في أسئلة على الآية والإجابة عنها
حصر الحيوان في هاتين الصفتين ، وهما : إمّا أن يدبّ ، وإمّا أن يطير.
وفي الآيات سؤالات :
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره ٢ / ٩٥.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٧ والدارمي في السنن ٢ / ٩٠ ، كتاب الصيد ، باب في قتل الكلاب ، وأبو داود في السنن ٣ / ٢٦٧ ، كتاب الصيد ، باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره الحديث (٢٨٤٥) والترمذي في السنن ٤ / ٨٠. كتاب الأحكام والفوائد باب ما جاء في قتل الكلاب الحديث (١٤٨٦) والنسائي في المجتبى من السنن ٧ / ١٨٥ كتاب الصيد والذبائح باب الكلاب التي أمر بقتلها وابن ماجة في السنن ٢ / ١٠٦٩ كتاب الصيد باب النهي عن اقتناء الكلب إلّا كلب صيد الحديث (٣٢٠٥). وذكره البغوي في تفسيره ٢ / ٩٥ ، والرازي ١٢ / ١٧٥.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٧٤.
(٤) ينظر : الرازي ١٢ / ١٧٥.