الأول : من الحيوانات ما لا يدخل في هذين القسمين مثل حيتان البحر ، وسائر ما يسبح في الماء ، ويعيش فيه.
والجواب لا يبعد أن يوصف بأنها دابّة ، من حيث إنها تدبّ في الماء ؛ لأن سبحها في الماء كسبح الطير في الهواء ، إلا أن وصفها بالدّبّ أقرب إلى اللّغة من وصفها بالطيران.
السؤال الثاني : ما الفائدة في تقييد الدّابّة بكونها في الأرض؟
والجواب من وجهين :
أحدهما : أنّه خصّ ما في الأرض بالذّكر دون ما في السماء احتجاجا بالأظهر ؛ لأن ما في السماء وإن كان مخلوقا مثلنا فغير ظاهر.
والثاني : أن المقصود من ذكر هذا الكلام أن عناية الله لمّا كانت حاصلة في هذه الحيوانات ، فلو كان إظهار المعجزات القاهرة مصلحة لما منع الله من إظهارها ، وهذا المقصود إنما يتمّ بذكر من كان أدون مرتبة من الإنسان ، لا بذكر من كان أعلى حالا منه ، فلهذا المعنى قيّد الدّابّة بكونها في الأرض.
السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) مع أن كل طائر فإنما يطير بجناحيه؟
والجواب : ما تقدّم من ذكر التوكيد أو رفع توهّم المجاز.
وقيل : إنه ـ تعالى ـ [قال](١) في صفة الملائكة (رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) [فاطر : ١] ، فذكر [هاهنا](٢) قوله : «بجناحيه» ليخرج عنه الملائكة ، لما بينّا أن المقصود من هذا الكلام إنما يتمّ بذكر من كان أدون حالا من الإنسان لا بذكر من كان أعلى منه.
السؤال الرابع : كيف قال : «إلّا أمم» مع إفراد الدّابّة والطائر؟
والجواب : ما تقدّم من إرادة الجنس.
قوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) : في المراد ب «الكتاب» قولان :
الأول : المراد به اللّوح المحفوظ ، قال عليه الصلاة والسلام : «جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» (٣) ، وعلى هذا فالعموم ظاهر ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أثبت ما كان وما يكون فيه.
والثاني : المراد به القرآن ؛ لأنّ الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد انصرف إلى المفهوم السّابق ، وهو في هذه الآية القرآن.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير ١١ / ٢٢٣ بهذا اللفظ.