الواحد تختلف تعديته باختلاف متعلّقه ، تقول : دخلت الدّار ، ودخلت في الأمر ، ولا تقول : دخلت الأمر ، فإذا كان ذلك في اللّفظ الواحد فما بالك بلفظين؟ ولم يحفظ عن العرب تعدية «شاء» بالباء ، وإن كانت في معنى أراد.
فصل في أنّ الهداية والضلال من الله تعالى
احتج أهل السّنّة بهذه الآية على أن الهدى والضلال ليسا إلّا من الله ـ تعالى ـ لتصريح الآية بذلك.
وأجاب المعتزلة عن ذلك بوجوه :
الأول : قال الجبّائي (١) : معناه أنّه ـ تعالى ـ يجعلهم صمّا وبكما وعميا يوم القيامة عند الحشر ، ويكونون كذلك في الحقيقة بأن يجعلهم في الآخرة صمّا وبكما في الظلمات ويضلهم بذلك عن الجنّة ، وعن طريقها ، ويصيرهم إلى النار ، وأكّد القاضي هذا بأنه ـ تعالى ـ بيّن في باقي الآيات أنه يحشرهم على وجوههم عميا وبكما وصمّا مأواهم جهنّم.
الثاني : قال الجبائي (٢) أيضا : ويحتمل أنهم يكونون كذلك في الدنيا ، فيكون توسّعا من حيث أنهم جعلوا بتكذيبهم بآيات الله في الظلمات لا يهتدون إلى منافع الدنيا فشبّههم من هذا الوجه بهم وأجرى عليهم مثل صفاتهم على سبيل التّشبيه.
الثالث : قال الكعبي (٣) : قوله : (صُمٌّ وَبُكْمٌ) قائم على الشّتم والإهانة ، لا على أنهم كانوا كذلك في الحقيقة.
أمّا قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) فقال الكعبي (٤) : ليس هذا على سبيل المجاز لأنه ـ تعالى ـ وإن أجمل القول فيه هاهنا فقد فسّره في سائر الآيات ، وهو قوله : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ٢٧] وقوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦].
وقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] ، وقوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) [المائدة : ١٦].
وقوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) [إبراهيم : ٢٧] وقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].
فثبت بهذه الآيات أن مشيئة الهدى والضلال ، وإن كانت مجملة في هذه الآية ، إلّا أنها [مخصصة](٥) مفصلة في سائر الآيات ، فيحمل هذا المجمل على تلك المفصّلات. ثم إن المعتزلة ذكروا في تأويل هذه الآية وجوها :
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٢ / ١٨٢.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٨٢.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) سقط في أ.