أحدها : قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) [الآية : ٣٩] محمول على منع الألطاف ، فصاروا عندها كالصّمّ والبكم.
وثانيها : يضلله يوم القيامة عن طريق (١) الجنة ، وعن وجدان الثواب ؛ لأنه ثبت بالدليل أنه ـ تعالى ـ لا يشاء هذا الإضلال إلّا لمن يستحقه عقوبة ، كما لم يشأ الهدى إلّا للمؤمنين.
واعلم أن هذه الوجوه التي تكلّفها المعتزلة إنما تحسن لو ثبت في العقل أنه لا يمكن إجراء هذا الكلام على ظاهره ، وقد دللنا على أنّ هذا الفعل لا يحصل إلّا عند حصول الداعي ، وبيّنّا أنّ خالق ذلك الداعي هو الله تعالى ، وبيّنّا أن عند حصوله يجب الفعل في هذه المقدّمات الثلاث ، فوجب القطع بأن الكفر والإيمان من الله تعالى ، وبتخليقه وتقديره وتكوينه ، وقد تقدّم إبطال هذه الوجوه عند قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧] وغيرها من الآيات ، فلا حاجة إلى الإعادة.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ)(٤١)
يجوز نقل همزة حركة الاستفهام إلى لام «قل» ، وتحذف الهمزة تخفيفا وهي قراءة (٢) ورش ، وهو تسهيل مطّرد ، و «أرأيتكم» هذه بمعنى «أخبرني» ، ولها أحكام تختصّ بها ، اضطربت أقوال الناس فيها ، وانتشر خلافهم ، ولا بدّ من التّعرّض لذلك ، فنقول : أرأيت إن كانت البصرية ، أو العلمية الباقية على معناها ، أو التي لإصابة الرئة كقولهم : «رأيت الطّائر» ، أي ، أصبت رئته لم يجز فيها تخفيف الهمزة التي هي عينها ، بل تحقّق ليس إلّا ، أو تسهّل بين بين من غير إبدال ولا حذف ، ولا يجوز أن تلحقها كاف على أنها حرف خطاب ، بل إن لحقها كاف كانت ضميرا مفعولا أوّل ، ويكون مطابقا لما يراد به من تذكير وتأنيث ، وإفراد وتثنية وجمع ، وإذا اتّصلت بها تاء الخطاب لزم مطابقتها لما يراد بها ممّا ذكر ، ويكون ضميرا فاعلا ، نحو : أرأيتم ، أرأيتما أرأيتنّ ، ويدخلها التّعليق والإلغاء ، وإن كانت العلميّة التي ضمّنت معنى «أخبرني» اختصّت بأحكام أخر.
منها : أنه يجوز تسهيل همزتها بإبدالها ألفا ، وهي مرويّة عن نافع (٣) من طريق
__________________
(١) في أ : دخول.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٥٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٢٩ ، حجة القراءات ص (٢٥٠) السبعة ص (٢٥٧) ، النشر ١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٥٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٢٩ ، حجة القراءات ص (٢٥٠).