خلق](١) من طين ، وهو أبو البشر ، ويحتمل أنّ [يكون](٢) المراد كون الإنسان مخلوقا من المنيّ ، ومن دم الطّمث ، وهما يتولدان من الدّم ، والدّم إنّما يتولّد من الأغذية [والأغذية](٣) إمّا حيوانية أو نباتيّة ، فإن كانت حيوانيّة كان الحال في [كيفية](٤) تولّد ذلك [الحيوان كالحال في كيفية تولّد الإنسان مخلوفا من الأغذية النباتية ، ولا شك أنها متولّدة من الطين ، فثبت أن كل إنسان متولد من الطين.
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الطّين قد تولّدت النّطفة منه بهذا الطريق المذكور.
ثم تولّد من النّطفة أنواع الأعضاء المختلفة في الصّفة ، والصورة ، واللون ، والشكل](٥) مثل القلب والدّماغ والكبد ، وأنواع الأعضاء البسيطة كالعظام والغضاريف والرّباطات والأوتار تولد الصفات المختلفة في المادة المتشابهة ، وذلك لا يمكن إلّا بتقدير مقدّر حكيم.
وإن قلنا : المقصود من هذا الكلام تقرير أمر المعاد ، فلأن خلق بدن الإنسان وترتيبه على هذه الصفات المختلفة إنّما حصل بقدرة فاعل حكيم ، وتلك الحكمة والقدرة (٦) باقية بعد موت الحيوان ، فيكون قادرا على إعادتها وإعادة الحياة فيها ؛ لأنّ القادر على إيجادها من العدم قادر على إعادتها بطريق الأولى (٧).
قوله (٨) : (مِنْ طِينٍ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه متعلّق ب «خلقكم» ، و «من» لابتداء الغاية.
والثاني : أنّه متعلّق بمحذوف على أنه حال ، وهل يحتاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا؟ فيه خلاف.
ذهب [جماعة](٩) كالمهدويّ ومكي ، إلى أنه لا حذف ، وأنّ الإنسان مخلوق من الطين.
وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من مولود يولد إلّا ويذرّ على النّطفة من تراب حفرته»(١٠).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : المقدرة.
(٧) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧.
(٨) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤.
(٩) سقط في ب.
(١٠) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢ / ٢٨٠) من طريق أبي عاصم عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال أبو نعيم : هذا حديث غريب من حديث ابن عون عن محمد لم نكتبه إلّا من حديث أبي عاصم النبيل عنه وهو أحد الثقات الأعلام من أهل البصرة.