قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) جوابه محذوف لدلالة الكلام عليه ، وكذلك معمول «صادقين» ، والتقدير : إن كنتم صادقين في دعواكم أنّ غير الله إله ، فهل تدعونه لكشف ما يحلّ بكم من العذاب؟
فصل في المراد من الآية
معنى الآية : قال ابن عبّاس : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله قبل الموت ، أرأيتكم السّاعة يعنى العذاب يوم القيامة ، أترجعون إلى غير الله في دفع البلاء والضّرّ ، أو ترجعون إلى الله في دفع البلاء والمحنة لا إلى الأصنام والأوثان (١) ، وأراد أن الكفّار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر الله عنهم (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [لقمان : ٣٢] لا جرم قال : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) «بل» حرف إضراب وانتقال ، لا إبطال لما عرف غير مرّة من أنها في كلام الله كذلك ، و «إيّاه» مفعول مقدّم للاختصاص عند الزمخشري (٢) ، ولذلك قال : بل تخصّونه بالدّعاء ، وعند غيره للاعتناء ، وإن كان ثمّ حصر واختصاص فمن قرينة أخرى ، و «إياه» ضمير منصوب منفصل تقدّم الكلام عليه في «الفاتحة» (٣).
وقال ابن عطية (٤) : «هنا «إيّا» اسم مضمر أجري مجرى المظهرات في أنه مضاف أبدا».
قال أبو حيان (٥) : وهذا خلاف مذهب سيبويه (٦) أن ما بعد «إيّا» حرف يبيّن أحوال الضمير ، وليس مضافا لما بعده لئلا يلزم تعريف الإضافة ، وذلك يستدعي تنكيره ، والضّمائر لا تقبل التنكير فلا تقبل الإضافة.
قوله : «ما تدعون» يجوز في «ما» أربعة أوجه :
أظهرها : أنها موصولة بمعنى «الذي» ، أي : فيكشف الذي تدعون ، والعائد محذوف لاستكمال الشروط ، أي : تدعونه.
الثاني : أنها ظرفيّة ، قاله ابن عطية (٧) ، وعلى هذا فيكون مفعول «يكشف» محذوفا تقديره : فيكشف العذاب مدّة دعائكم ، أي : ما دمتم داعينه وقال أبو حيّان (٨) : وهذا ما لا حاجة إليه مع أنّ فيه وصلها بمضارع ، وهو قليل جدا تقول : «لا أكلّمك ما طلعت الشمس» ، ويضعف : «ما تطلع الشمس».
__________________
(١) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٢ / ١٨٤) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٢.
(٣) آية ٥.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٩١.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٣٢.
(٦) ينظر : الكتاب ١ / ٣٨٠.
(٧) المحرر الوجيز ٢ / ٢٩١.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٣٢.