٢١٧٤ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١) |
وللسهولة والتّذلّل المفهومة من هذه المادة اشتقّوا منها للثّدي اسما فقالوا له : «ضرعا».
قوله : (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) «لكن» هنا واقعة بين ضدّين ، وهما اللّين والقسوة ؛ وذلك أن قوله : «تضرّعوا» مشعر باللّين والسّهولة ، وكذلك إذا جعلت الضّراعة عبارة عن الإيمان ، والقسوة عبارة عن الكفر ، وعبّرت عن السبب بالمسبّب ، وعن المسبّب بالسبب ، ألا ترى أنك تقول : «آمن قلبه فتضرّع ، وقسا قلبه فكفر» وهذا أحسن من قول أبي البقاء (٢) : «ولكن» استدراك على المعنى ، أي ما تضرّعوا ولكن يعني أن التّحضيض في معنى النّفي ، وقد يترجّح هذا بما قاله الزمخشري (٣) فإنه قال : معناه نفي التضرّع كأنه قيل : لم يتضرّعوا إذ جاءهم بأسنا ، ولكنه جاء ب «لو لا» ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التّضرّع إلّا قسوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم التي زيّنها الشّيطان لهم.
قوله : (وَزَيَّنَ لَهُمُ) هذه الجملة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون استئنافيّة أخبر تعالى عنهم بذلك.
والثاني ـ وهو الظاهر ـ : أنها داخلة في حيّز الاستدراك فهو نسق على قوله : (قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) وهذا رأي الزمخشري فإنه قال (٤) : «لم يكن لهم عذر في ترك التّضرّع إلّا قسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم» كما تقدّم و «ما» في قوله : (ما كانُوا) يحتمل [أن تكون موصولة اسمية أي : الذي كانوا يعملونه](٥) وأن تكون مصدرية ، أي : زيّن لهم عملهم ، كقوله : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٤] ويبعد جعلها نكرة موصوفة.
فصل
دلت هذه الآية مع الآية التي قبلها على مذهب أهل السّنة ، لأنه بيّن في الآية الأولى أن الكفّار يرجعون إلى الله ـ تعالى ـ عند نزول الشّدائد ثم بيّن في هذه الآية أنهم لا يرجعون إلى الله ـ تعالى ـ عند كل ما كان من جنس الشّدائد ، بل قد يبقون مصرّين على الكفر غير راجعين إلى الله تعالى ، وذلك يدلّ على أنّ من لم يهده الله لم يهتد سواء شاهد الآيات أو لم يشاهد.
فإن قيل : أليس قوله : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) يدلّ على أنهم تضرّعوا ، وهاهنا يقول : «قست قلوبهم ولم يتضرّعوا».
فالجواب : أولئك أقوام وهؤلاء أقوام آخرون ، أو نقول : أولئك تضرّعوا لطلب إزالة
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٤٢.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣.
(٥) سقط في أ.