ومنه دبر السّهم الهدف ، أي : سقط خلفه.
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود : «من النّاس من لا يأتي الصّلاة إلّا دبريّا» أي : في آخر الوقت (١).
فصل في المراد بالآية
والمعنى أنّ الله ـ تعالى ـ استأصلهم بالعذاب ، فلم يبق منهم باقية.
و (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
قيل : على هلاكهم.
وقيل : تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه ، حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم ؛ لأنه نعمة على الرّسل ، فذكر الحمد تعليما لهم ، ولمن آمن بهم أن يحمدوا الله على كفايته شرّ الظالمين ، وليحمد محمد وأصحابه ربّهم إذا أهلكنا المكذّبين.
وتضمّنت هذه الآية الحجّة على وجوب ترك الظلم لما تعقّب من قطع الدّابر إلى العذاب الدائم مع استحقاق القاطع للحمد من كل حامد.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)(٤٦)
(أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ) المفعول الأوّل محذوف ، تقديره : أرأيتم سمعكم وأبصاركم إن أخذها الله ، والجملة الاستفهاميّة في موضع الثاني ، وقد تقدّم أن أبا حيّان يجعله من التّنازع ، وجواب الشرط محذوف على نحو ما مرّ.
وقال الحوفي : وحرف الشّرط وما اتّصل به في موضع نصب على الحال ، والعامل في الحال «أرأيتم» كقولك : «اضربه إن خرج» أي : خارجا ، وجواب الشّرط ما تقدّم مما دخلت عليه همزة الاستفهام وهذا إعراب لا يظهر.
ولم يؤت هنا ب «كاف» الخطاب ، وأتي به هناك ؛ لأن التّهديد هناك أعظم فناسب التأكيد بالإتيان ب «كاف» الخطاب ولمّا لم يؤت بالكاف وجب بروز علامة الجمع في التاء لئلا يلتبس ، ولو جيء معها بالكاف لاستغني بها كما تقدّم ، وتوحيد السّمع ، وجمع الأبصار مفهوم مما تقدّم في «البقرة».
قوله : «من إله» مبتدأ وخبر ، و «من» استفهاميّة ، و «غير الله» صفة ل «إله» و «يأتيكم» صفة ثانية ، و «الهاء» في «به» تعود على «سمعكم».
وقيل : تعود على الجميع ، ووحّد ذهابا به مذهب اسم الإشارة.
وقيل : تعود على الهدى المدلول عليه بالمعنى.
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره ٦ / ٢٧٥.