قال القاضي (١) : والأوّل أولى ؛ لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلا وقد عاينوا قدومه لم يكن بغتة ، ولو جاءهم نهارا وهم لا يشعرون بقدومه لم يكن جهرة.
قوله : «هل يهلك» هذا استفهام بمعنى النّفي ؛ ولذلك دخلت «إلّا» وهو استثناء مفرّغ ، والتقدير : ما يهلك إلّا القوم الظالمون ، وهذه الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني ل «أرأيتكم» والأوّل محذوف ، وهو من التّنازع على رأي أبي حيّان (٢) كما تقدّم تقريره.
وقال أبو البقاء (٣) : الاستفهام هنا بمعنى التّقرير ، فلذلك ناب عن جواب الشّرط ، أي : إن أتاكم هلكتم ، والظّاهر ما تقدّم ، ويجيء هنا قول الحوفيّ المتقدّم في الآية قبلها من كون الشرط حالا.
وقرأ ابن محيصن (٤) : «هل يهلك» مبنيّا للفاعل.
فإن قيل : إن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التّمييز بين المطيع والعاصي. فالجواب أن العذاب وإن عمّ الأبرار والأشرار في الظاهر ، إلّا أن الهلاك في الحقيقة مختصّ بالظالمين ؛ لأن الأخيار يستوجبون [بسبب نزول تلك](٥) المضارّ بهم أنواعا عظيمة من الثواب والدّرجات الرفيعة عند الله.
قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩)
والمقصود من هذه الآية أن الأنبياء إنما بعثوا مبشّرين بالثواب على الطّاعات ، ومنذرين بالعقاب على المعاصي ، ولا قدرة لهم على إظهار الآيات والمعجزات ، بل ذلك مفوّض إلى مشيئة الله وحكمته.
أي : لم نرسلهم لأن نقترح عليهم الآيات ، بل لأن يبشروا وينذروا.
وقرأ (٦) إبراهيم ، ويحيى : «مبشرين» بالتخفيف ، وقد تقدّم أن «أبشر» لغة في «بشّر».
قوله : (فَمَنْ آمَنَ) يجوز في «من» أن تكون شرطيّة ، وأن تكون موصولة ، وعلى كلا التقديرين فمحلّها رفع بالابتداء.
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٣٦.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٣.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦٧ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٢.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦٧.