قاله الزمخشري (١). وفيه نظر من حيث إنه يؤدّي إلى أنه يصير التقدير : ولا أقول لكم : لا أعلم الغيب وليس بصحيح.
والثاني : أنه معطوف على «لا أقول» لا معمول له ، فهو أمر أن يخبر عن نفسه بهذه الجمل الثلاث فهي معمولة للأمر الذي هو «قل» ، وهذا تخريج أبي حيّان (٢) قال بعد أن حكى قول الزّمخشري : «ولا يتعيّن ما قاله ، بل الظّاهر أنه معطوف على لا أقول» إلى آخره.
فصل في معنى الآية
والمعنى : أن القوم يقولون : إن كنت رسولا من عند الله ، فلا بدّ وأن تخبرنا عمّا سيقع في المستقبل من المصالح والمضار حتى نستعدّ لتحصيل تلك المنافع ، ولدفع تلك المضارّ ، فقال تعالى : «قل : إني لا أعلم الغيب ولا أقول : إنّي ملك» ومعناه : أنهم كانوا يقولون : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] ويتزوج ويخالط الناس ، فقال تعالى : قل لهم : إني لست من الملائكة.
فصل في بيان فائدة هذه الأحوال
اختلفوا في الفائدة من ذكر هذه الأحوال الثلاثة ، فقيل : المراد منه أن يظهر الرسول من نفسه التّواضع لله ، والاعتراف بعبوديّته حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النّصارى في المسيح عليه الصّلاة والسّلام.
وقيل : إن القوم كانوا يقترحون عليه إظهار المعجزات القاهرة ، كقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] فقال تعالى في آخر الآية : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] يعني : أنا لا أدّعي إلّا الرسالة والنّبوّة ، وهذه الأمور التي طلبتموها ، فلا يمكن تحصيلها إلّا بقدرة الله.
وقيل : المراد من قوله : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ، أي : لا أدّعي كوني موصوفا بالقدرة ، ولا أعلم الغيب ، أي : ولا أدّعي كوني موصوفا بعلم الله تعالى ، وبمجموع هذين الكلامين حصل أنه لا يدّعي الإلهيّة.
ثمّ قال : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ : إِنِّي مَلَكٌ) وذلك ؛ لأنه ليس بعد الإلهيّة درجة أعلى حالا من الملائكة فصار حاصل الكلام كأنّه يقول : لا أدّعي الإلهية ، ولا أدّعي الملكيّة ، ولكن أدّعي الرّسالة ، وهذا منصب لا يمتنع حصوله [للبشر](٣) فكيف أطبقتم على استنكار قولي (٤).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٣٧.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الرازي ١٢ / ١٩١.