فصل في رد شبهة الجبائي في تفضيل الملائكة
قال الجبّائي : دلّت الآية على أنّ الملك أفضل من الأنبياء ؛ لأن [معنى الكلام](١) لا أدّعي منزلة أقوى من منزلتي ، ولو لا أن الملك أفضل ، وإلّا لم يصح.
قال القاضي (٢) : إن كان الغرض بها نفي (٣) طريقة التّواضع ، فالأقرب يدلّ على أن الملك أفضل ، وإن كان المراد نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلّا الملائكة لم يدلّ على كونهم أفضل.
قوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).
يدلّ على أنه لا يعمل إلّا بالوحي ، وأنه لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام ، وأنّه ما كان يجتهد ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ، ٤].
واستدلّ نفاة القياس بهذا النصّ ، قالوا : لأنّه عليه الصّلاة والسّلام ما كان يعمل إلا بالوحي النّازل ، فوجب ألّا يجوز لأحد من أمّته أن يعمل إلّا بالوحي النّازل ، ولقوله تعالى : (وَاتَّبِعُوهُ) [الأعراف : ١٥٨] وذلك ينفي جواز العمل بالقياس.
ثم أكّد ذلك بقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) ، وذلك لأن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى ، والعمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير ، ثم قال تعالى : (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ).
والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين ، وألّا يكون غافلا عن معرفة الله.
قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٥١)
لما وصف الرسل بكونهم مبشّرين ومنذرين أمر الرّسول في هذه الآية بالإنذار ، فقال : «وأنذر» أي : خوّف به ، أي : بالقرآن ، قاله ابن عبّاس ، والزّجّاج (٤) لقوله تعالى قبل هذه الآية : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).
وقال الضّحّاك : (وَأَنْذِرْ بِهِ) أي : بالله (٥).
وقوله : (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا) أي : يبعثوا ، فقيل : المراد بهم الكافرون الذين تقدّم ذكرهم ؛ لأنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان يخوّفهم من عذاب الآخرة ، وكان بعضهم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٩١.
(٣) في أ : بها يعني.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٢ / ١٠٢) عن ابن عباس.
(٥) انظر المصدر السابق.