عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥٢)
قال سلمان ، وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية (١).
جاء الأقرع بن حابس التّميميّ ، وعيينة بن حصن الفزاريّ ، وذووهم من المؤلّفة قلوبهم فوجدوا النبي صلىاللهعليهوسلم قاعدا مع بلال ، وصهيب ، وعمّار ، وخبّاب في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المسجد ، ونفيت عنّا هؤلاء وأرواح جبابهم ، وكان عليهم جباب صوف ولم يكن عليهم غيرها ، لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : ما أنا بطارد المؤمنين ، قالوا : فإنّا نحبّ أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك ، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئنا فأبعدهم عنّا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، فقال : «نعم» طمعا في إيمانهم.
قال : ثم قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتابا.
قال : فدعا بالصّحيفة ، ودعا عليّا ليكتب ، قال : ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريلعليهالسلام بقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) إلى قوله : «بالشّاكرين» فألقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول (سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وكنّا نقعد معه حتى تمسّ ركبتنا ركبته ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف : ٢٨] فترك القيام عنّا إلى أن نقوم عنه وقال : «الحمد لله الذي أمرني أن اصبر نفسي مع قوم من أمّتي معكم المحيا ومعكم الممات» (٢).
فصل في بيان شبهة الطاعنين في العصمة
احتجّ الطّاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية من وجوه :
أحدها : أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ طردهم ، والله ـ تعالى ـ نهاه عن ذلك ، فكان ذنبا.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ قال : (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) وقد ثبت أنه طردهم.
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٢ / ١٩٣.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ١٩٩) وأبو يعلى وابن أبي شيبة كما في «المطالب العالية» (٣ / ٣٣٢) حديث (٣٦١٨) عن خباب.
وأخرجه ابن ماجه مختصرا (٢ / ١٧٣).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.