(سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) كان هذا من قول الله فيدلّ على أنه ـ تعالى ـ قال لهم في الدّنيا : سلام عليكم كتب ربّكم على نفسه الرحمة.
ومنهم من قال (١) : بل هذا من كلام الرّسول صلىاللهعليهوسلم.
فصل في معنى «كتب»
كتب كذا [على فلان](٢) يفيد الإيجاب ، أي : بمعنى قضى ، وكلمة «على» أيضا تفيد الإيجاب ، ومجموعهما مبالغة في الإيجاب ، وهذا يقتضي كونه ـ تعالى ـ راحما لعباده على سبيل الوجوب ، واختلفوا في ذلك الوجوب؟
فقال أهل (٣) السّنّة : له ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتصرّف في عباده كيف شاء وأراد إلّا أنه أوجب الرّحمة على نفسه على سبيل الفضل والكرم.
وقالت المعتزلة (٤) : إنّ كونه عالما بقبح القبائح ، وعالما بكونه غنيّا عنها يمنعه من الإقدام على القبائح ، ولو فعله كان ظالما ، والظّلم قبيح ، والقبح منه محال.
فصل في الدلالة في الآية
دلّت هذه الآية على جواز تسمية ذات الله ـ تعالى ـ بالنفس ، أيضا قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] يدلّ عليه ، والنّفس هنا بمعنى الذّات والحقيقة ، لا بمعنى الجسم والدّم ؛ لأنه ـ تعالى ـ مقدّس عنه ؛ لأنه لو كان جسما لكان مركّبا ، والمركّب ممكن.
وأيضا إنه أحد ، والأحد لا يكون مركّبا ، وما لا يكون مركبا لا يكون جسما.
وأيضا الأجسام متماثلة في تمام الماهية ، فلو كان جسما لحصل له مثل ، وذلك باطل ؛ لقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
فصل في دحض شبهة المعتزلة
قالت المعتزلة (٥) : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ينافي كونه تعالى يخلق الكفر في الكافر ، ثم يعذّبه عليه أبد الآباد ، وينافي أن يقال : إنه يمنعه من الإيمان ، ثم يأمره حال ذلك المنع بالإيمان ، ثم يعذبه على ذلك.
وأجيب بأنه ـ تعالى ـ نافع ضارّ محيي مميت ، فهو ـ تعالى ـ فعل تلك الرّحمة البالغة ، وفعل هذا القهر البالغ ولا منافاة بين الأمرين.
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٤.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٤.
(٥) ينظر : الرازي ١٣ / ٤ ـ ٥.