وأجاب بأنّه إنّما قصد الكفّار تنبيها لهم على خلقه لهم وقدرته وقضائه لآجالهم.
قال : «وإنّما جعلته من الالتفات ؛ لأن هذا الخطاب ، وهو (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) لا يمكن أن يندرج فيه من اصطفاه الله تعالى بالنبوّة والإيمان (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) مسمّو ؛ لأنه من مادة الاسم ، وقد تقدّم ذلك (١) ، فقلبت الواو ياء ، ثم الياء ألفا».
وتمترون أصله (٢) «تمتريون» فأعلّ كنظائره.
فصل في معنى «قضى»
والقضاء قد يرد بمعنى الحكم ، والأمر قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] ، وبمعنى [الخبر والإعلام ، قال تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) [الإسراء : ٤] وبمعنى صفة الفعل إذا تمّ ، قال تعالى :](٣)(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت: ١٢] ومنه قولهم : «قضى فلان حاجة فلان».
وأمّا الأجل فهو في اللّغة عبارة عن الوقت المضروب لانقضاء المدّة ، وأجل الإنسان هو المؤقت المضروب ؛ لانقضاء عمره.
وأجل الدّين : محلّه لانقضاء التأخير فيه ، وأصله من التّأخير يقال : أجل الشّيء يأجل أجولا وهو آجل إذا تأخّر ، والآجل نقيض العاجل ، وإذا عرف هذا فقوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) معناه : أنّه ـ تعالى ـ خصّص موت كلّ واحد بوقت معيّن ، (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قال الحسن ، وقتادة ، والضحّاك : الأجل الأوّل من الولادة إلى الموت. والأجل الثاني : من الموت إلى البعث ، وهو البرزخ (٤) وروي ذلك عن ابن عبّاس ، وقال : لكلّ أحد أجلان أجل من الولادة إلى الموت أدنى ، وأجل من الموت إلى البعث ، فإن كان برّا تقيا وصولا للرّحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، فإن كان بالعكس قاطعا للرّحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث مخافة (٥).
[وقال مجاهد](٦) وسعيد بن جبير : الأجل الأوّل أجل الدنيا ، والثّاني أجل الآخرة (٧).
وقال عطية عن ابن عبّاس : الأجل الأوّل : النّوم ، والثاني : الموت (٨). وقال أبو
__________________
(١) ينظر الكلام على التسمية في أول المصحف.
(٢) في ب : وأصل تمترون.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٤٦) عن قتادة والضحاك.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٦.
(٦) سقط في أ.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٤٧) عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والحسن.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٤٧) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.