والثالث : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من «حفظة» ؛ إذ لو تأخّر لجاز أن يكون صفة لها.
قال أبو البقاء (١) : «عليكم» فيه وجهان :
أحدهما : هو متعلّق ب «يرسل».
والثاني : أن يكون في نيّة التّأخير ، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بنفس «حفظة» ، والمفعول محذوف ، أي : يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم.
والثاني : أن يكون صفة ل «حفظة» قدمت فصارت حالا. قوله : والمفعول محذوف يعني : مفعول «حفظة» ، إلّا أنّه يوهم أنّ تقدير المفعول خاصّ بالوجه الذي ذكره ، وليس كذلك ، بل لا بدّ من تقديره على كلّ وجه ، و «حفظة» إنما عمل في ذلك المقدّر لكونه صفة لمحذوف تقديره : ويرسل عليكم ملائكة حفظة ؛ لأنه لا يعمل إلّا بشروط هذا منها ، أعني كونه معتمدا على موصوف ، و «حفظة» جمع «حافظ» ، وهو منقاس في كلّ وصف على فاعل صحيح «اللام» لعاقل مذكر ، ك «بارّ» و «بررة» ، و «فاجر» و «فجرة» ، و «كامل» و «كمله» ، وينقل في غير العاقل ، كقوله : «غراب ناعق» و «غربان نعقة» (٢).
فصل في معنى الحفظة
هؤلاء الحفظة هم المذكورون في قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١].
وقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] وقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١٠ ، ١١].
والمقصود بهؤلاء الحفظة ضبط الأعمال ثم اختلفوا فقيل : إنهم يكتبون الطّاعات والمعاصي والمباحات بأسرها لقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩].
وعن ابن عبّاس أنّ مع كلّ إنسان ملكين ؛ أحدهما : عن يمينه ، والآخر عن يساره ، فإذا تكلّم الإنسان بحسنة كتبها [من](٣) على اليمين ، وإذا تكلّم بسيئة قال من على اليمين للذي على اليسار : انتظره لعلّه يتوب منها ، فإن لم يتب كتبت عليه (٤).
والأوّل أقوى ؛ لأن قوله : (يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) يفيد حفظة الكل من غير تخصيص.
والثاني : أنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على اطّلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال والأفعال
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٥.
(٢) في ب : نقعه.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي (١٣ / ١٣).