أحدهما : أنّهم يعتقدون أنّ المؤثّر في حدوث بدن الإنسان هو امتزاج الطّبائع ، وإن سلّموا كون المؤثّر فيه قادرا مختارا ، فإنّهم يقولون : إنّه [غير](١) عالم بالجزئيات ، فلا يمكنه تمييز المطيع من العاصي ، ولا تمييز أجزاء بدن زيد عن أجزاء بدن عمرو (٢).
قوله : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ) في هذه الآية أقوال كثيرة ، وقد لخصّت في اثني عشر وجها (٣) ؛ وذلك أن «هو» فيه قولان :
أحدهما : هو ضمير اسم الله ـ تعالى ـ يعود على ما عادت عليه الضّمائر قبله.
الثاني : أنّه ضمير القصّة ، قاله أبو عليّ.
قال أبو حيّان (٤) : وإنّما فرّ إلى هذا ؛ لأنه لو أعاده على الله لصار التقدير : الله الله ، فتركّب الكلام من اسمين متّحدين لفظا ومعنى لا نسبة بينهما إسنادية.
قال شهاب الدين (٥) : الضّمير إنما هو عائد على ما تقدّم من الموصوف بتلك الصّفات الجليلة ، وهي خلق السّموات والأرض ، وجعل الظّلمات والنّور ، وخلق النّاس من طين إلى آخرها ، فصار في الإخبار بذلك فائدة من غير شكّ ، فعلى قول الجمهور يكون «هو» مبتدأ ، و «الله» خبره ، و (فِي السَّماواتِ) متعلّق بنفس الجلالة لمّا تضمّنته من معنى العبادة ، كأنّه قيل : وهو المعبود في السّموات ، وهذا قول الزّجّاج (٦) ، وابن عطيّة (٧) ، والزمخشري (٨).
قال الزّمخشري : (فِي السَّماواتِ) متعلّق بمعنى اسم الله ، كأنّه قيل : هو المعبود فيها ، ومنه : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] أو هو المعروف بالإلهية والمتوحد بالإلهيّة فيها ، أو هو الذي يقال له «الله» [لا يشركه في هذا الاسم غيره.
وقال شهاب الدين (٩) : إنما قال : أو هو المعروف ، أو هو الذي يقال له : الله ؛](١٠) لأنّ هذا الاسم الشّريف تقدّم فيه خلاف ، هل هو مشتقّ أو لا (١١)؟ فإن كان مشتقا ظهر تعلّق الجارّ به ، وإن كان ليس بمشتقّ ، فإمّا أن يكون منقولا أو مرتجلا ، وعلى كلا التقديرين فلا يعمل ؛ لأنّ الأعلام لا تعمل ، فاحتاج أن يتأوّل ذلك على كل قول (١٢) من هذه الأقوال الثلاثة.
فقوله : «المعبود» راجع للاشتقاق ، وقوله : «المعروف» راجع لكونه علما منقولا ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٧. والدر المصون ٤ / ٦.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٧.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦.
(٦) معاني القرآن ٢ / ٢٥٠.
(٧) المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٩.
(٨) الكشاف ٢ / ٥.
(٩) الدر المصون ٣ / ٦.
(١٠) سقط في ب.
(١١) تقدم من الكلام على البسملة الخلاف في ذلك.
(١٢) في ب : قولين.