ياء لانكسار ما قبلها وسكونها ، ويظهر على هذه القراءة أن يكون مفعولا من أجله لو لا ما يأباه «تضرّعا» من المعنى.
قوله : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) الظاهر أن هذه الجملة القسميّة تفسير للدّعاء قبلها.
ويجوز أن تكون منصوبة المحلّ على إضمار القول ، ويكون ذلك القول في محلّ نصب على الحال من (١) فاعل «تدعونه» أي : تدعونه قائلين ذلك ، وقد عرف مما تقدّم غير مرّة كيفية اجتماع الشرط والقسم.
وقرأ الكوفيون (٢) «أنجانا» بلفظ الغيبة مراعاة لقوله «تدعونه» والباقون (٣) «أنجيتنا» بالخطاب حكاية لخطابهم في حالة الدعاء ، وقد قرأ كلّ بما رسم في مصحفه ، فإن في مصاحف «الكوفة» : «أنجانا» ، وفي غيرها : «أنجيتنا».
قوله : «من هذه» متعلّق بالفعل قبله ، و «من» لابتداء الغاية ، و «هذه» اشارة إلى الظّلمات ، لأنها تجري مجرى المؤنثة الواحدة ، وكذلك في «منها» تعود على الظلمات.
وقوله : (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) عطف على الضمير المجرور بإعادة حرف الجر ، وهو واجب عند البصريين ، وقد تقدّم.
و «الكرب» غاية الغمّ الذي يأخذ النّفس.
قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) يريد أنهم يقرّون أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي ينجّيهم ، ثم يشركون معه الأصنام التي علموا أنها لا تضر ولا تنفع.
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٦٧)
وهذا نوع آخر من دلائل التوحيد ممزوج بالتخويف فبين كونه ـ تعالى ـ قادرا على إيصال العذاب إليهم من هذه الطّرق المختلفة تارة من فوقهم ، وتارة من تحت أرجلهم ، فقيل : هذا حقيقة.
فأما العذاب من فوقهم كالمطر النازل عليهم في قصّة نوح ، والصّاعقة ، والرّيح ، والصّيحة ، ورمي أصحاب الفيل.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٤ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٦ ، الوسيط ٢ / ٢٨٣ ، الحجة لأبي زرعة ص (٢٥٥) ، السبعة ص (٢٥٩) ، النشر ٢ / ٢٥٩ ، التبيان ١ / ٥٠٥ الحجة لابن خالويه ص (١٤١ ـ ١٤٢) ، المصاحف لابن أبي داود ص (٣٩ ، ٤٨).
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٤ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٦ ، الوسيط ٢ / ٢٨٣ ، الحجة لأبي زرعة ص (٢٥٥) ، السبعة ص (٢٥٩) ، النشر ٢ / ٢٥٩ ، التبيان ١ / ٥٠٥ ، الحجة لابن خالويه ص (١٤١ ـ ١٤٢) ، روح المعاني ٧ / ١٧٩.