وأما الذي من تحت أرجلهم : كالرّجفة والخسف ، وقيل : حبس المطر والنبات. وقيل : هذا مجاز.
قال مجاهد وابن عباس في رواية عكرمة : (مِنْ فَوْقِكُمْ) أي : من الأمراء ، أو من تحت أرجلكم من العبيد والسّفلة (١).
قوله : (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) يجوز أن يكون الظّرف متعلّقا ب «نبعث» وأن يكون متعلّقا بمحذوف على أنه صفة ل «عذابا» أي : عذابا كائنا من هاتين الجهتين. قوله : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) عطف على «يبعث».
والجمهور (٢) على فتح الياء من «يلبسكم» وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بمعنى يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتّى كل فرقة مشايعة لإمام ، ومعنى خلطهم : إنشاب القتال بينهم ، فيختلطون في ملاحم القتال كقول الحماسي : [الكامل]
٢١٩٠ ـ وكتيبة لبّستها بكتيبة |
|
حتّى إذا التبست نفضت لها يدي |
فتركتهم تقص الرّماح ظهورهم |
|
ما بين منعفر وآخر مسند (٣) |
وهذه عبارة الزمخشري (٤) : فجعله من اللّبس الذي هو الخلط ، وبهذا التفسير الحسن ظهر تعدّي «يلبس» إلى المفعول ، و «شيعا» نصب على الحال ، وهي جمع «شيعة» ك «سدرة» و «سدر».
وقيل : «شيعا» منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول ، أي : إنه مصدر على غير الصدر كقعدت جلوسا.
قال أبو حيّان (٥) : «ويحتاج في جعله مصدرا إلى نقل من اللغة».
ويجوز على هذا أيضا أن يكون حالا ك «أتيته ركضا» أي : راكضا ، أو ذا ركض.
وقال أبو البقاء (٦) : والجمهور على فتح الياء ، أي : يلبس عليكم أموركم ، فحذف حرف الجر والمفعول ، والأجود أن يكون التقدير : أو يلبس أموركم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.
فصل في معنى الآية
قال المفسّرون : معناه : أن يجعلكم فرقا ، ويثبت فيكم الأهواء المختلفة.
وروى عمرو بن دينار عن جابر ، قال : لما نزلت هذه الآية (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٥ ، البحر المحيط ٤ / ٤ / ١٥٥.
(٣) البيتان للفرار السلمي.
ينظر : الحماسة ١ / ١٩١ ، البحر ٤ / ١٥٥ مشاهد الإنصاف ٢ / ٢٦ ، الدر المصون ٣ / ٨٥.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣.
(٥) البحر المحيط ٤ / ١٥٥.
(٦) ينظر : الإملا ١ / ٢٤٦.