عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بوجهك» قال : (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال : «أعوذ بوجهك». قال : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا أهون أو هذا أيسر» (١) وعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه قال : أقبلنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية ، فدخل وصلّى ركعتين ، وصلينا معه فناجى ربه طويلا ، ثم قال : «سألت ربّي ثلاثا : ألّا يهلك أمّتي فأعطانيها ، وسألته ألّا يهلك أمّتي بالسّنة فأعطانيها ، وسألته ألّا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» (٢) وعن ابن عمر أن النبيصلىاللهعليهوسلم دعا في مسجد ، فسأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين ، ومنعه واحدة ، سأله ألّا يسلّط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم ، فأعطاه ذلك ، وسأله ألا يهلكهم بالسّنين ، فأعطاه ذلك ، وسأله ألّا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك (٣).
فصل في مزيد بيان عن الآية
ظاهر قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أنه يجعلهم على الأهواء المختلفة ، والمذاهب المتنافية ، والحق منها ليس إلا لواحد ، وما سواه فهو باطل ، وهذا يقتضي أنه ـ تعالى ـ قد يحمل المكلّف على اعتقاد الباطل.
وقوله : (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) لا شكّ أن أكثرها ظلم ومعصية ، وهذا يدل على كونه ـ تعالى ـ خالقا للخير والشر.
وأجاب الخصم (٤) عنه بأن الآية تدلّ على أنه ـ تعالى ـ قادر عليه ، وعندنا أن الله ـ تعالى ـ قادر على القبح ، إنما النزاع في أنه ـ تعالى ـ هل يفعل ذلك أم لا؟
وأجيب بأن وجه التّمسّك بالآية شيء آخر ، فإنه قال : (هُوَ الْقادِرُ) على ذلك ، وهذا يفيد الحصر ، فوجب أن يكون غير الله غير قادر على ذلك ، وقد حصل الاختلاف بين الناس ، فثبت بمقتضى الحصر المذكور ألّا يكون ذلك صادرا عن غير الله ، فوجب أن يكون صادرا عن الله ، وهو المطلوب.
فصل في إثبات النظر والاستدلال
قالت المعتزلة والحشويّة (٥) : هذه الآية من أدلّ الدلائل على المنع من النظر
__________________
(١) أخرجه البخاري ٨ / ١٤١ ـ كتاب التفسير : باب قوله تعالى : قُلْ هُوَ الْقادِرُ (٤٦٢٨) وطرفه في (٧٣١٣ ـ ٧٤٠٦) والترمذي ٥ / ٢٤٤ كتاب تفسير القرآن : باب ما جاء في الأنعام (٣٠٦٥).
والطبري في «تفسيره (٥ / ٢٢٠) والبغوي في شرح السنة (٧ / ٢٧٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في الفتن وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٢١٦ ، كتاب الفتن باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض الحديث (٢ / ٢٨٩٠) والسّنة : القحط العام.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٢٠.
(٥) ينظر : المصدر السابق.