والاستدلال ؛ لأن فتح تلك الأبواب يفيد وقوع الاختلاف ، والمنازعة في الأديان ، وتفريق الخلائق إلى هذه المذاهب والأديان ، وذلك مذموم بهذه الآية ، والمفضي إلى المذموم مذموم ، فوجب أن يكون فتح باب النظر والاستدلال مذموما.
وأجيبوا بالآيات الدالة على وجوب النّظر والاستدلال كما تقدّم مرارا.
فصل في قراءة «يلبسكم»
قرأ (١) أبو عبد الله المدني : «يلبسكم» بضم الياء من «ألبس» رباعيا ، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المفعول الثّاني محذوفا ، تقديره أو يلبسكم الفتنة ، و «شيعا» على هذا حال ، أي : يلبسكم الفتنة في حال تفرّقكم وشتاتكم.
الثاني : أن يكون «شيعا» هو المفعول الثاني ، كأنه جعل النّاس يلبسون بعضهم مجازا كقوله: [المتقارب]
٢١٩١ ـ لبست أناسا فأفنيتهم |
|
وأفنيت بعد أناس أناسا (٢) |
والشّيعة : من يتقوّى بهم الإنسان ، والجمع : «شيع» كما تقدم ، و «أشياع» ، كذا قاله الراغب (٣) ، والظاهر أن «أشياعا» جمع «شيع» ك «عنب» و «أعناب» ، و «ضلع» و «أضلاع» و «شيع» جمع «شيعة» فهو جمع الجمع.
قوله : «ويذيق» نسق على «يبعث» ، والإذاقة استعارة ، وهي فاشية : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [القمر : ٤٨] ، (ذُقْ إِنَّكَ) [الدخان : ٤٩] ، (فَذُوقُوا الْعَذابَ) [الأنعام : ٣٠].
وقال : [الوافر]
٢١٩٢ ـ أذقناهم كئوس الموت صرفا |
|
وذاقوا من أسنّتنا كئوسا (٤) |
وقرأ الأعمش (٥) : «ونذيق» بنون العظمة ، وهو التفات ، فائدته تعظيم الأمر ، والتحذير من سطوته.
قوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
قال القاضي (٦) : هذا يدلّ على أنه ـ تعالى ـ أراد بتصريف الآيات ، وتقرير هذه البيّنات أن يفهم الكل تلك الدلائل ، ويفقه الكل تلك البيّنات.
وأجيب بأن ظاهر الآية يدلّ على أنه ـ تعالى ـ ما صرّف هذه الآيات إلا لمن فقه
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٥.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : المفردات ٢٧١.
(٤) البيت في البحر ٤ / ١٥٦ ، الدر المصون ٣ / ٨٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٦. البحر المحيط ٤ / ١٥٦.
(٦) ينظر : الرازي ١٣ / ٢٠.