وقوله : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ) قراءة (١) العامّة «ينسينّك» بتخفيف السّين من «أنساه» كقوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) [يوسف : ٤٢].
وقرأ ابن عامر (٢) : بتشديدها من «نسّاه» ، والتعدّي جاء في هذا الفعل بالهمزة مرة ، وبالتضعيف أخرى ، كما تقدم في «أنجى» و «نجّى» و «أمهل» و «مهّل».
والمفعول الثاني محذوف في القراءتين ؛ تقديره : وإما ينسينّك الشّيطان الذّكر أو الحقّ.
والأحسن أن يقدر ما يليق بالمعنى ، أي : وإما ينسينك الشيطان ما أمرت به من ترك مجالسة الخائضين بعد تذكيرك ، فلا تقعد بعد ذلك معهم ، وإنما أبرزهم ظاهرين تسجيلا عليهم بصفة الظّلم ، وجاء الشرط الأول ب «إذا» ؛ لأن خوضهم في الآيات محقّق ، وفي الشرط الثاني ب «إن» لأن إنساء الشيطان له ليس أمرا محقّقا ، بل قد يقع وقد لا يقع ، وهو معصوم منه.
ولم يجىء مصدر على «فعلى» غير «ذكرى».
وقال ابن عطيّة (٣) : «وإمّا» شرط ، ويلزمها في الأغلب النون الثقيلة ، وقد لا تلزم كقوله : [البسيط]
٢١٩٧ ـ إمّا يصبك عدوّ في مناوأة |
|
.......... (٤) |
وهذا الذي ذكره من لزوم التوكيد هو مذهب الزّجّاج ، والنّاس على خلافه ، وأنشدوا ما أنشده ابن عطية وأبياتا أخر منها : [الرجز]
٢١٩٨ ـ إمّا تريني اليوم أمّ حمز (٥)
وقد تقدّم طرف من هذه المسألة أوّل البقرة ، إلا أن أحدا لم يقل : يلزم توكيده بالثقيلة دون الخفيفة ، وإن كان ظاهر كلام ابن عطية ذلك.
قوله تعالى : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٦٩)
يجوز أن تقدر «ما» حجازية ، فيكون (مِنْ شَيْءٍ) اسمها ، و «من» مزيدة فيه لتأكيد
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٨ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٨ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٧.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٠٤.
(٤) صدر بيت وعجزه :
يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر
ينظر : القرطبي ٧ / ١١ ، فتح القدير ٢ / ١٢٢ ، الدر المصون ٣ / ٨٨.
(٥) تقدم.