وقيل هنا : غرّتهم من «الغرّ» بفتح الغين ، أي : ملأت أفواههم وأشبعتهم ، وعليه قول الشاعر : [الطويل]
٢١٩٩ ـ ولمّا التقينا بالحليبة غرّني |
|
بمعروفه حتّى خرجت أفوق (١) |
فصل في معنى الآية
المراد من هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ، يعني الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزءوا بها وتلاعبوا.
وقيل : إن الله ـ تعالى ـ جعل لكل قوم عيدا واتّخذ كل قوم دينهم ؛ أي عيدهم لعبا ولهوا ، وعيد المسلمين الصلاة والتكبير ، وفعل الخير مثل الجمعة والفطر والنّحر.
وقيل : إن الكفّار كانوا يحكمون في دين الله بمجرّد [التشهّي والتمني مثل تحريم](٢) السّوائب والبحائر.
وقيل : اتخاذهم الأصنام وغيرها دينا لهم.
وقيل : هم الذين ينصرون الدين ليتوسّلوا به إلى أخذ المناصب والرّياسة ، وغلبة الخصم ، وجمع الأموال ، فهولاء الذين [نصروا الدّين](٣) لأجل الدنيا ، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو.
ويؤكّد هذا الوجه قوله تعالى : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
قوله : (وَذَكِّرْ بِهِ) أي : بالقرآن ، يدلّ له قوله : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] وقيل : يعود على «حسابهم».
وقيل : على «الدّين» أي : الذي يجب عليهم أن يتداينوا ، ويعتقدوا بصحته.
وقيل : هذا ضمير يفسره ما بعده ، وسيأتي إيضاحه.
قوله : (أَنْ تُبْسَلَ) في هذا وجهان :
المشهور ـ بل الإجماع ـ على أنه مفعول من أجله ، وتقديره : مخافة أن تبسل ، أو كراهة أن تبسل أو ألّا تبسل.
والثاني : قال أبو حيّان (٤) بعد أن نقل الاتّفاق على المفعول من أجله : «ويجوز عندي أن يكون في موضع جرّ على البدل من الضمير ، والضمير مفسّر بالبدل ، ويضمر الإبسال لما في الإضمار من التّفخيم ، كما أضمروا ضمير الأمر والشّأن ، والتقدير : وذكّر
__________________
(١) ينظر البيت في البحر ٤ / ١٦٠ ، روح المعاني ٧ / ١٨٦ ، والدر المصون ٣ / ٩٠ ، حاشية الشهاب على البيضاوي ٤ / ٨٠.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٦٠.