أما قول أبي حيّان (١) : «وإنما قلق عند ابن عطية (٢) ؛ لأنه أراد بقاء (أَنْ أَقِيمُوا) على معناها من موضوع الأمر» ، فليس القلق عنده لذلك فقط كما حصره الشيخ ، بل لأمر آخر من جهة اللفظ ، وهو أن السّياق التّركيبيّ يقتضي على ما قاله الزجاج أن يكو ن «لنسلم وأن نقيم» ، فتأتي في الفعل الثاني بضمير المتكلم ، فلما لم يقل ذلك قلق عنده ، ويدلّ على [ما ذكرته](٣) قول ابن عطية (٤) : «بمعنى : ولنقم ثم خرجت بلفظ الأمر» إلى آخره.
والخامس : أنه محمول على المعنى ؛ إذ المعنى قيل لنا : أسلموا وأن أقيموا.
وقال الزجاج (٥) : فإن قيل : كيف حسن عطف قوله : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) على قوله (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)؟.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن يكون التقدير : وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، ولأن نقيم الصلاة.
الثاني : أن يكون التقدير : وأمرنا فقيل لنا أسلموا لربّ العالمين ، وأقيموا الصّلاة.
فإن قيل : هب أن المراد ما ذكرتم ، لكن ما الحكمة في العدول عن هذا اللّفظ الظّاهر ، والتركيب الموافق للعقل إلى ذلك اللفظ الذي لا يهتدي العقل إلى معناه ، إلّا بالتأويل؟!.
فالجواب : لأن الكافر ما دام [يبقى](٦) على كفره كان كالغائب الأجنبي ، فلا جرم خوطب بخطاب الغائبين ، فيقال له : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) فإذا أسلم [وآمن](٧) ودخل في الإيمان صار كالقريب الحاضر ، فلا جرم خوطب بخطاب الحاضرين ، ويقال له (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) فالمقصود من ذكر هذين النوعين من الخطاب للتنبيه على الفرق بين حالتي الكفر والإيمان ، وتقريره أن الكافر بعيد غائب ، والمؤمن قريب حاضر.
فصل في أنه لا هدى إلا هدى الله
اعلم أن الله ـ تعالى ـ لما بيّن أوّلا أن الهدى النافع هو هدى الله ، أردف ذلك الكلام الكلّيّ بذكر أشرف أقسامه على الترتيب ، وهو الإسلام ، وهو رئيس الطاعات الروحانية ، والصلاة التي هي رئيسة الطاعات الجسمانيّة ، والتقوى التي هي رئيسة باب التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغي ، ثم بيّن منافع هذه الأعمال ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يعني أن منافع هذه الأعمال إنما تظهر في يوم الحشر.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٦٤.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٠٨.
(٣) في ب : هذا.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٠٨.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ٢٦.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.